عند استيقاظك من نومك وخروجك من البيت، صباحًا أو ظهرًا أو عصرًا، كما تعودت أو كما يحلو لك، وبدء برنامجك اليومي في لقاء الآخرين والتعامل معهم، سواء في عملك أو تسوقك أو في أي موقع خدمي أو ترفيهي أو حتى مع أفراد أسرتك، ستجد نفسك في مراحل تفاعليَّة مختلفة..
عليك فيها أن تتكلَّم وتناقش وتجيب، عليك أن تصمت أحيانًا إذا ازداد الصخب من حولك، عليك أن تجامل وتمدح، عليك أن تمقت وترفض، عليك أن تقبل وترضى بوضعٍ ما قد لا يلائمك وفُرِض عليك رغمًا عنك، عليك أن تشارك الآخرين أفراحهم وأتراحهم، عليك أعباء كثيرة تريد فعلها لتسير في معترك الحياة بين البشر بأقل الخسائر، في كسب، أو خسارة، العلاقات التي قد تجعلك موضعًا لقبول الآخرين إياك أو رفضهم إياك وبعدهم عنك.
كلنا يمر بهذا الأمر كل يوم، إنه أمر طبيعي لا شك في ذلك، وعلينا مسايرته ومواكبته؛ فحياتنا ما هي إلا أنا وأنت وهم..
وما بينهما خطوط قد تستقيم بإرادتك ومبادئك وثوابتك التي تربَّيتَ عليها؛ فتنجو بنفسك وتهلك علاقتك بمَن حولك، وقد تعوجّ نتيجة نفاق ورياء منك في استمالة الآخرين وكسب ودهم؛ فيرضون عنك وتخسر نفسك حين تنفرد بها معاتبًا.
ولكن ماذا أنت بقائل عندما تُحدِّثك نفسك وسط مكان مغلق ليس فيه إلا أنت وتجري حوارًا صريحًا معها عمَّن تحب ومَن تكره في حياتك؟!
هنا، الكارثة الكبرى.. لو سمع الآخرون ما تُحدِّثك به نفسك عنهم، تخيل معي للحظات أن يقرأ مَن يعرفك سطورك الداخليَّة ويعلم بحقيقة كل شعور فيك يكتبها..
ويرى كل منهم نفسه في مرآتك، ومدى حبك أو كرهك له..
وكيف أنك تلتقيه في الواقع مجاملًا وداخلك يلفظه.
مؤكَّد أن مَن لهم مكانة في قلبك سيفرحون بمشاعرك الصادقة تجاههم، وغالب الأمر أنهم يثقون بذلك؛ لأن ثَمَّةَ دلالات ومؤشرات تبيِّن حبك وتقديرك لهم، يظهر ذلك في تصرفك معهم، هناك مَن يتعاملون معك ويصل إليهم إحساسك تجاههم، وهناك البعيدون المنشغلون عنك، ولكنهم يسكنون القلب، ولو التقيتم مصادفةً لعبَّرت لهم عن حبك وشغفك بالاقتراب منهم أكثر.
أما مَن تحْمل لهم الرفض والبغض ولا تألفهم، فماذا عنهم لو فتحوا باب قلبك واكتشفوا ظلامهم الحالك يعوق رؤيتك على الرغم من أن هناك رابطًا قد يربطك بهم كعملٍ، أو صلة قرابةٍ، أو حتى جيرة؟
كلما تخيلت أن نافذتك، خاصتك، قد تُفتح عليك من قِبَلِهم ورأوا تذمرك منهم وعدم قبولك لهم، كانت الطامَّة.
هل تُعد مجاملة مثل هؤلاء نفاقًا، أم ضرورة حتميَّة إذا تطلب الأمر لمواصلة طريق الحياة دون تعثر وفقدٍ لضالتنا؟!
لقد تعددت وجوه البشر وغطَّى القبح ملامحهم، ولكن هناك عدَّة مقاعد شاغرة تنتظر جلوس مَن نحبهم.