اهتز كلُّ كِياني عندما رأيتُ صورتَه أمامي فجأة، ذرفتُ الدموعَ من عينيَّ وأنا أتأملُه، بكيتُ كما لم أبكِ من قبل. اختنقت مشاعري واحتبست أنفاسي، لحظةُ وجعٍ أرجعتني إلى سنواتٍ مضت من عُمُري، وذكرياتٍ جمعت بيننا.
أنا الذي أحسه وأشعر به، أنا الذي أفهمُ نظرةَ عينيه، أنا الذي أدركُ تفاصيلَ وتعبيرات وجهه وتعبيراته كأنَّها ماثلةٌ أمامَ عينيَّ، تتجسدُ فيها كلُّ معاني الحياة، أسمعُ صوتَه بوضوحٍ شديدٍ، أرى ضَحْكَاته وانزواءَه على نفسه عندما يحزن، كم كان يؤلمني شقاؤه وعناؤه في الدنيا! أشتاقُ إليكَ يا أبي وأبحثُ عنك! ليتك مَعِي الآنَ! كم أنا في احتياج إليك!
آهٍ يا أبي! لم تعدِ الدنيا واسعةً أمامَ عيني كما كنتَ تقولُ لي، بل لفظت فضاءها الرحبَ مَعِي وضاقت يا أبي، ضاقت وانفردت بي لتوقفَني عندَ حدِّها، أبت أن تنتظرَني لأصرعَها.
آهٍ يا أبي! لقد صرعتني وأزاحت قُوَّتِي، خارت قِوَايَ، لم أنتبه ولم أُعرها أيَّ انتباهٍ.
آهٍ يا أبي! أنا أريدُك حقَاً، أحتاج إليك بشدة، أريد أن أرتميَ في أحضانِك وبينَ ضلوعِك، لتحتويني بعطفِك وحنانِك وخوفِك علي.
أفتقدك كثيراً الآن!
مِتَّ ومات مَعَك كلُّ شيء...
مِتَّ ولم تسعدْ بالقدرِ الكافي...
مِتَّ ولم تشبع مني ولم أشبع منك...
مِتَّ وقد كنت بحياتِك سبباً في إسعاد الآخرين...
سامحني يا أغلى من نفسي على تقصيري معك...
لن أنساكَ ما حييت، رحمةُ اللهِ عليك، يا وجعَ عُمُري كلُّه.