ها قد جاء اليوم العاشر من ذي الحجة…
يوم العيد، يوم النحر، يوم الفرح للمسلمين، ويوم مواجهة للحُجّاج، مواجهة مع النفس، ومع الشيطان، ومع كل ما أغواها يومًا.
بعد أن ودّع الحُجّاج عرفات ومزدلفة، يتوجهون إلى منى، تلك الأرض التي تتجلى فيها رمزية الطاعة الكاملة، وتُقام فيها شعيرة رمي الجمرات… رجم الشيطان في ثلاث مواقع: الجمرة الصغرى، الوسطى، ثم الكبرى (جمرة العقبة).
لكن، هل نحن نرجم حجرًا؟
لا…
نحن نرجم ذكرى غوايته، نرجم وسوسته، نرجم ضعفنا حين صدّقناه، نرجم الذنوب التي وقعنا فيها بإغرائه.
نرجم كل تلك اللحظات التي انحرفنا فيها عن الطريق، فنقول له بأيدينا: "لن تعود، لن تضلني من جديد".
يروي لنا التاريخ أن سيدنا إبراهيم عليه السلام لما همّ بذبح ابنه إسماعيل امتثالًا لأمر الله، اعترضه الشيطان في هذه المواضع الثلاثة، يحاول أن يثنيه، أن يضعف عزيمته، فقام برميه بالحجارة حتى انصرف… ومن هنا جاءت السنة.
في كل جمرة، يرمي الحاج سبع حصيات صغيرة، يرافق كل رمية تكبيرة، وكأنها صرخة رفض لكل ذنب قديم، لكل طريق أعوج، لكل وسوسة ظنّنا أنها لن تضر، لكنها أوجعت أرواحنا طويلًا.
رمي الجمرات ليس مشهدًا حركيًّا فقط، بل هو درسٌ عظيم في أن المواجهة خيرٌ من الهروب.
أن تعترف بوجود ضعفك، وأن تواجهه، وأن تُخرج شيطانك الداخلي من مخبئه، وترجمه بقوة، ثم تمضي… منتصرًا.
رمي الجمرات ليس نهاية المناسك، لكنه بداية جديدة…
بداية نفسٍ تعرف عدوها، وتعرف طريق العودة إلى ربّها.
كل حصاة ترميها هناك، تضع مكانها يقينًا، وثباتًا، وإيمانًا لا تهزّه ريح.
فطوبى لمن رجع من منى خفيفًا من الذنوب، قويًا في وجه الشيطان، ثابتًا على الطاعة، وكأنه عاد مولودًا… لا يحمل من ماضيه إلا حب الله، وحكاية حجة لا تُنسى.
ودمتم بخير---