حين نسمع كلمة "صداقة"، غالبًا ما يتبادر إلى أذهاننا الأصدقاء خارج إطار الأسرة. لكن لعلّ أجمل أشكال الصداقة، وأصدقها، هي تلك التي تولد بين الزوجين. فحين يصبح الزوج صديقًا لزوجته، وتصبح الزوجة أقرب رفيقة لزوجها، تتحول العلاقة الزوجية إلى شراكة متينة لا تهزّها عواصف الحياة.
الصداقة الزوجية لا تُلغِي الحب، بل تُعزّزه وتُعمّقه. فالحب وحده، حين يخلو من التفاهم والمشاركة والمرح، قد يبهت بمرور الزمن. أما الصداقة، فهي التي تُضفي على العلاقة روحًا خفيفة، وتجعل التواصل اليومي أكثر سلاسة وصدقًا. هي التي تسمح للزوجين بالحديث دون تكلف، بالبوح دون خوف، وبالاختلاف دون صدام.
في الصداقة الزوجية، لا حاجة للتظاهر أو المجاملة المفرطة. فكل طرف يرى الآخر كما هو، ويقبله بحقيقته، بنقائصه قبل مزاياه، ويظل يحبّه. الزوج الصديق يسمع زوجته حين تكون حزينة، لا ليُصدر أحكامًا، بل ليحتويها. والزوجة الصديقة تُشجّع زوجها حين يتعثر، وتحتفل به حين ينجح، ولا تبخل عليه بمزحة ترفّه قلبه بعد عناء يوم طويل.
ولعل أجمل ما في الصداقة الزوجية، أنها تُخفف التوتر الناتج عن ضغوط الحياة. فكم من مشاكل عائلية تضخّمت لأنها فُقدت فيها روح الصداقة، وكم من بيوت تماسكَت لأن فيها من يُضحك الآخر في عزّ الألم، ويُشعره بأنه ليس وحيدًا في هذه الحياة.
الصداقة بين الزوجين تُؤسَّس ولا تُورَث. هي ثمرة تراكمات يومية من الثقة، والصدق، والتقبّل، والاحترام، والتجربة المشتركة. تبدأ من التفاصيل الصغيرة: مشاركة وجبة، حديث صادق قبل النوم، ضحكة مشتركة، أو حتى الصمت المُريح بين شخصين يفهم كلٌّ منهما الآخر دون حاجة للكلام.
وقد أظهرت الدراسات النفسية أن الأزواج الذين يتمتعون بعلاقة صداقة، يكونون أكثر قدرة على تجاوز الأزمات، ويشعرون بنسبة أعلى من الرضا عن حياتهم الزوجية، مقارنة بأولئك الذين يقتصر تواصلهم على الواجبات والمسؤوليات فقط.
إن البيت الذي تسكنه الصداقة، بيتٌ آمنٌ، حتى في أصعب اللحظات. والصداقة، إن وُجدت بين زوجين، أصبحت أرضًا خصبة يُزهر فيها الحب، وتترسّخ فيها الرحمة، ويُولد منها جيلٌ سويّ يرى الحب الحقيقي متجسّدًا أمامه كل يوم.
وفي نهاية حديثي رجاءًا ..ابحثن عن الصديق في أزواجكن، وابحثوا عن الصديقة في زوجاتكم. اجعلوا من بيوتكم مأوى للبوح، وميناءً للطمأنينة. فالحب الجميل يبدأ بكلمة، ويعيش بصداقة.
ودمتم بخير ---