مُنذ فراق زوجها، وهي تحمل صغارها على أكتافها. يُهلكها ثقل ذاك الحِمْل، لكن نظرات صغارها الممتلئة بالاحتياج تُنسيها ألمها.
تعبر الجسر حتى تضمن أنه موصول لوصول صغارها، وإن لم تجده موصولًا، توصله بذراعيها، حتى لا يُشقَى صغارها في العبور. يعبر الصغار بسلامٍ واطمئنان، ولا يلحظون كيف تمزقت ذراعاها من خطواتهم، فهم لا يعلمون أن عبور الجسر لم يكن بذلك الاطمئنان لولا وجود ذراعيها الحانية.
تنسى مدى آلامها إذا تعثرت قدم صغيرها وآلمته مشقة العبور. دمعات صغارها أكثر ما يُرهقها، فهي تودّ أن تنزع من قلوبهم الحزن وتبدله فرحًا. الحزن يكسو قلبها، وفي حضرة صغارها يغمر عينيها بريق الدمع، لكنها تَكْمُدُ آهات قلبها بضحكاتٍ متألمة. يظن الصغار أنها لا يُصيبها حزنٌ قط، فهي دائمًا تستقبلهم بسماتٍ راضية وأعينٍ يفيض منها الدفء.
لا يهدأ فؤادها إلا باطمئنان صغارها. يكبر الصغار، ويُحلّقون في سرب الحياة، وينشغلون عنها، وهي بهم منشغلة. كبروا وأصبحوا فراشاتٍ ذات ألوانٍ متألقة، يُحلّقون في سربها الدافئ بقلوبٍ مطمئنة، وهي ببريق ألوانهم مُتباهية. يحقّ لها التباهي، فما هم عليه هو صنيع آلامها.
تسير في أعوامها المتبقية، مُتباهية بصنيع دموعها، وعلى ما بقي من ذكرى زوجها، محاولةً بقدر المستطاع أن تظل صامدةً أمام أعين فراشاتها.
يقتلها الشوقُ لذلك السند، والظل الذي لم تشعر معه يومًا بالشقاء. يغلبها الشعور بالوحدة والحنين، إلا أنها بقضاء الله وقدره صابرة، مُحتسبة، راضية، وبصغارها مُتعلقة.