تأملات حول ضرورة تعلم الكبار من الصغار
١- نعرف جميعا أن الله ــ جل جلاله ــ لم يعلم نبيه وعبده وخاتم رسله محمد صلى الله عليه وسلم، كل قصص الأنبياء، ولم يذكر لنا في كتابه العزيز كل تفاصيل من ذكرت قصصهم من هؤلاء الأنبياء، عليهم السلام.
٢- وقد أطلت التفكر والتدبر هذه الليلة في كل التفاصيل المذكورة في قصة كل نبي من أنبيائه، وتوقفت بالفحص والدرس عند الآية ٤٣ من سورة مريم في معرض سرد السيناريو الرهيب بين نبي الله إبراهيم وبين أبيه، يقول الابن للأب: {یَـٰۤأَبَتِ إِنِّی قَدۡ جَاۤءَنِی مِنَ ٱلۡعِلۡمِ مَا لَمۡ یَأۡتِكَ فَٱتَّبِعۡنِیۤ أَهۡدِكَ صِرَ ٰطࣰا سَوِیࣰّا}.
٣- ثم تساءلت في نفسي، وأشارك التساؤل هنا مع أصدقاء هذا الحساب: لماذا يذكر الله لنا هذه التفصيلة الدقيقة في حوار بين النبي وبين أبيه؟! وما الحاجة إلى أن يقول هذا النبي لأبيه إنه يعلم أكثر منه وإن الأب لا يعلم ما يعلمه الابن؟!
٤- كالعادة رجعت إلى ما عندي من كتب التفاسير فوجدت أن ابن كثير والبغوي والقرطبي مروا سريعا على هذه الآية من دون تفصيل ذي شأن؛ وكأن فحواها حقيقة مسلمة لا لبس فيها ولا غبار عليها، أو كأنها قاعدة من قواعد السنن الكونية في هذه الحياة.
٥- وفهمت من سياق الآية: أنك يا أبي إن كنت أكبر مني سنا وإن كنت أنا أصغر منك في العمر والخبرة والتجربة؛ لكن الله قد رزقني بنوع من العلم لم يصل إليك، وبالتالي يجب عليك أن تتبعني كي أرشدك إلى الطريق الصحيحة.. نعم: هكذا بكل بساطة.. يا أبي ويا كبير عائلتي ويا عمدة قريتي اسمع كلامي؛ لأني في هذا الموضوع أعلم ما لا تعلمه أنت.
٦- في حياتنا العادية تجد رجلا مقتدرا يعمل في وظيفة مرموقة ويصرف على تعليم ابنه ثم عندما يصل الولد إلى درجة العلم الذي لا يعرفه الأب؛ يتأفف من أن يتبعه ويسترشد به في أمور الدين والدنيا.
٧- ولقد عايشت مؤخرا شكلا من أشكال الفساد الاجتماعي بين أفراد الأسرة الواحدة، ناجم عن عدم اتباع منهج الله الحق في تقسيم الميراث، ووجدت رجلا يحرم ابنته من الميراث؛ لأنها تزوجت شخصا لا يحبه، ووجدت عائلات ترفض تقسيم تركة الميت، وتورث الضغينة من جيل إلى جيل، والسبب هو تقدم العرف على الشرع.
٨- العرف يقول لا توزعوا الميراث ولا تورثوا البنات في تركة الميت واسمحوا للرجال أن يأكلوا حق أخواتهم من النساء؛ لأن المرأة لا تستحق أن يكون لها نصيب من مال أبيها وأخيها وأمها.
٩- ثم يخرج من العائلات والقرى والنجوع من تعلم العلم ومن هداه الله إلى ضرورة تقديم الشرع على العرف وإلى ضرورة الالتزام بمنهج الله في توزيع الميراث وعدم تأجيل المشاكل حتى لا ترثها أجيال لا علاقة لها بجذور هذه المشاكل، ويرفض كبار السن اتباع من هم أصغر منهم سنا تكبرا وعنادا وجحودا وسماحا للشيطان أن يقودهم إلى الضلال والخراب.
١٠- أعرف كيف أصبح هذا القرآن علاجا سحريا لمشاكل المجتمع، لكني لا أعرف كيف ابتعد بعض أطياف المجتمع عن هذا الكتاب العظيم وتغافلوا ما فيه من أسرار ومعجزات، ولعل ما في السيناريو والحوار بين الأنبياء وآبائهم وأبنائهم الكثير من العبرة والحكمة والدروس.
#تأملات_ليلية