كنا نتسكع على الرصيف في نزهة هادئة، أنا وزوجتي، حبيبتي الجميلة. كانت الأرض تلفّها سحابة شاردة، والسماء تتبدّل بين زرقةٍ آسرة وبين دخان كثيفٍ يشبه الأنين. أنهكنا المشي على الأقدام، ولم يكن معنا سوى كيسٍ ممتلئ بالفواكه.
أخرجت زوجتي حبّة تفاح، ربما لتسلّي نفسها أو لتسدّ جوعًا خفيًا لم تعترف به. وفجأة، جاءت طفلة تركض نحونا كأنّها طُردت للتو من درسٍ عقابيّ، كطالبة أنهكها العقاب، لا تزال حرارة الصفعة عالقة في خدّها، وقلبها يبحث عن مأوى.
لم تتكلم، كانت تُشير فقط. أمسكت يدي، ووضعتها على حقيبة زوجتي، تطلب شيئًا تأكله. نظرت إليها بعطف، وأخرجت لها كيسًا صغيرًا يحتوي على مؤن غذائية متنوعة، وقلت لها:
"خذي، هذا كله لك."
كانت بحاجة إليه، كلّه، لكنها اكتفت بالقليل… بقدر ما يسدّ جوعها فقط. تابعتها بعيني، تسير بخطى سريعة نحو طفلة أخرى كانت تقف بعيدًا…
طفلة أعرفها جيدًا.
كانت تعمل عندي سابقًا. مثابرة، طموحة، من أسرة كريمة. سألتها بدهشة:
"ألم تكوني من أسرة معروفة؟ أين تلك الطفلة التي كانت تعمل بجد وتطمح لتحقيق أحلامها؟ ما الذي حدث لكِ؟ كيف أصبحتِ متسوّلة؟"
نظرت إليّ بعينين مكسورتين، وصوتها يتهدج بالحزن:
"نعم، كنتُ كذلك…
حين كانت لي أسرة، ألوذ بها…
كان لي أبٌ وأمٌ وأخوة…
كان لي ظهرٌ أحتمي به حين أنهار.
لكنّ المليشيا…
ذلك العنف المجنون،
ذلك الغضب الأهوج…
أحرق كل شيء.
لم يُبقوا على أحد.
لو لم أكن خارج المدينة يومها،
لكنتُ أول من يُقتل."
سكتت، وسكتُ أنا أيضًا…
فلا شيء يُقال بعد أن تُغتال الطفولة وتُحرق الأحلام.
سوى الصمت…
وصلاة خافتة،
أن يعود شيء مما سُلب… ولو قليلاً.