خلقتُ لأقاتل الظلم، وأقاوم أنظمة القهر والدكتاتورية دون كلل أو تردد. لم أختبئ يومًا خلف الجدران، بل كنتُ دائمًا في الساحات، أهتف عاليًا باسم الحرية، وأرفع راية الديمقراطية، ساعيًا إلى قيام نظامٍ مدنيٍ عادل يضع كرامة الإنسان في المقام الأول.
كنتُ برفقة رفاق لا ترهبهم البنادق، ولا تُثنيهم الاعتقالات، ولا تفتّ في عزيمتهم قرارات الفصل التعسفي من الجامعات. الحياة لم تكن ترضى بوجودنا إن لم نقاوم الظلم، وكنا نعلم أن الصمت جريمة، وأن السكوت خيانة لدماء الشهداء.
في يومٍ قائظ، والشمس ترسل لهيبها فوق الرؤوس، كنا هناك. لم نتراجع. لم نساوم. عاهدنا أنفسنا أن نظل ثابتين على المبادئ، كما الجبال في وجه الرياح. لم ننسَ يومًا من رحلوا من أجل القضية، من أجل مسار التحول المدني الديمقراطي.
المواقف الإنسانية، يا صديقي، لا تُقاس بالشعارات، بل بالثبات عند المحك، والوفاء في زمن الانحناء. أن نعيش بشرف الدفاع عن حقوق البسطاء والمواطنين العزّل، أن نقف سدًّا منيعًا أمام كل يدٍ تحاول سفك دماء الأبرياء – هذه هي رسالتنا.
الوعي ليس رفاهية فكرية، بل سلاح يجب أن نرفعه ضد قتلة الأحلام وأعداء الحياة. الوعي هو ما يجعلنا مناراتٍ للآخرين، وجسورًا تُفضي إلى وطنٍ عادل، بدستورٍ يعبر عن كل مكوناته، ونظام حكمٍ يحتكم إلى العدالة والضمير.
نحن لا نبحث عن وطن يشبه تركيا في حكومتها، بل نستلهم منها جيلًا احترم تضحيات أسلافه، وتعلم من إرث العثمانيين الأوغوز، فأقام دولته على أرضية صلبة من الوعي والانتماء.
نحن في أمسّ الحاجة إلى جيل يحمل شعلة التغيير بصدق، لا يخونها، ولا يتراجع عنها، جيل يزرع في تراب هذا الوطن بذور العدالة، لتنمو شجرة الحرية، وتظلل الأجيال القادمة بظلٍ لا تعرف فيه القهر، ولا يسكنه الجلاد.