بعد اتصال هاتفي من والدتي تخبرني فيه ألا أتأخر في العودة إلى المنزل، كنت أسرع الخطى وكأن شيئًا يطاردني، كانت الساعة قد تخطت العاشرة مساءً بعد انتهاء ورديتي في المشفى الذي أعمل به، كلمات والدتي مازالت تطن بأذنيّ وهي تذكرني كعادتها بكلام الناس وتأثيره على سمعتي، وأنها لن تدور على البيوت تشرح لهم طبيعة عملي.
بعد الكلمات التي أمطرتني بها كنت أتعجل في خطواتي يتملكني الشعور بأن كل العيون بالطريق تراقبني وأن كل شفاه تتحرك تتكلم عني وكل التفاتة تقصدني أنا، أنا فقط من بين السائرين بالشارع، كنت أتلفت حولي وجسدي يقشعر من اقتراب أي أحد مني، يعتريني خوف لا أعرف مصدره لكنني كنت أنفضه من رأسي إلا أن جسمي أصر على إنذاري بالخطر، فلم أُكذب حدسي وبالتفاتة للخلف رأيته يتبعي.
أسرعت أهرول من شارع إلى آخر وكان خلفي لا يفلتني، خطواته تلاحقني وكلما اقترب مني مددت في خطواتي حتى كدت أن أجري، كانت تحضرني ساعتها نصيحة أمي أن البنت المحترمة لا تلتفت لمعاكسة أحد ولا ترد عليه، فقط تسرع في مشيها وكأن شيئًا لم يكن، لكنه كان خلفي يقترب أكثر وأكثر حتى سمعت صوت أنفاسه تلهث خلفي وانتفض جسدي حين مد يده وحاول أن يلمسني، كنت أرتجف وأنفاسي تتلاحق وتملكني خوف وغضب هائلين، هممت أن أستغيث بالناس وأصرخ متحرش.
لكن صوتي تحشرج وتراجعت عن فعل ذلك حين استعدت مشهد الفتاة التي كنت قد رأيتها بالأمس في محطة المترو، وهي تحاول أن تدافع عن نفسها ضد من وقفوا ينتقدونها، بعدما لطمت أحد الشباب على وجهه متهمة إياه بالتحرش بها، كانت الأصابع تشير إلى ملابسها التي وصفوها بأنها تكشف تفاصيل جسدها، ورغم أن الساعة لم تتجاوز التاسعة والنصف مساء إلا أن بعضهم علقوا على تواجدها وحدها في الخارج بهذا الوقت، قلت لنفسي: ماذا لو لم ينصفني أحد؟ .. أو أن ينكر ذلك المتحرش فعلته؟ .. نفضت الفكرة من رأسي وجريت مبتعدة.
كنت مازالت أسرع الخطى لأجعل بيني وبينه مسافة آمنة لي ولكنه كان يقترب حتى صار كظلي، ثم بدأ يقذفني بكلمات وإشارات حولت الخوف بداخلي إلى نار اشتعلت بجسدي، والتي على أثرها أردت الالتفات لسبه وضربه بما في قدمي وليحدث ما يحدث .. كنت أقاوم غضبي حتى لا أفعل ما نهتني عنه أمي مرارًا وتكرارًا وقالت لي أنه عيب وفضيحة للبنت، إلا أنني وفي لحظة استجمعت شجاعتي واتخذتُ قراري ضاربة بنصائحها عُرض الحائط، وبكل عزم توقفت وسط الطريق والتفتتُ نحوه، ثم تشبثت به بكلتا يديّ وانفجرتُ صارخة: النجدة لص.