الموسم
وَقَفَت أمام محل الحلويات بتردد تقدم رجل وتؤخر الأخرى، تطالع الزحام بقلق شديد .. فغدا ليلة الثاني عشر من ربيعٍ الأول وهي قد وعدت ابنتها، فتحت البوك ونظرت بداخله ثم مدت يدها وقبضت بين أصابعها وكفها على الخمسين جنيها التي كانت قد احتجزتها جانبا بعدما دفعت القسط الشهري لجهاز ابنتها الذي أكملته بالدَيِّن بعد وفاة زوجها، تقدمت خطوة نحو الزحام ووقفت تنتظر دورها وعندما أصبحت أمام البائع سألته عن ثمن كيلو الحلوى المُشَكَّلة .. فأجابها وهو يمسح الرخام أمامه ويرتب العلب:
• بأربعين .. أوزن لك كام كيلو؟
نظرت للخمسين جنيها التي بين أصابعها بتوتر ثم رفعت رأسها وبصوت خافت سألته عن حلوى بسعر أقل؟! ..
حوَّل نظره عنها ملتفتًا للزبون الواقف بجوارها ويقول :
- لأ .. معندناش .. أأمرني ياحاج؟!
نقلت بصرها بين الرجل ويده وهو يناول البائع ورقتين من فئة المئتي جنيه ويطلب خمس علب بكل واحدة اتنين كيلو، أغلقت كفها على ما به وانسحبت تجر قدميها من بين الناس.
مشت خطوتين وهي تحدث نفسها، (سماح قالت من المحل ده .. حماتها هتعايرها .. أعمل إيه؟!)، رفعت يدها تتحسس الحلق المتدلي من أذنها تحت الطرحة الملفوفة على رأسها ثم التفتت خلفها تنظر للشارع، ظلت بضع دقائق تحاور نفسها ثم حسمت أمرها وتوجهت نحو أحد محلات الذهب، دخلته ثم خرجت بعد دقائق ممسكة بالبوك الذي أقفلت كفها عليه ثم وقفت تجفف دموعها بطرف كُمها، أخذت نفسا عميقا وعدلت طرحتها ثم عادت لمحل الحلويات مرة أخرى ووقفت في الزحام.
عندما أصبحت أمام البائع، بادرها قائلاً :
• قولتلك معندناش ..
ففتحت البوك وأخرجت منه ورقة بمئتي جنيه وبصوت مسموع طلبت منه أن يُشَكِّل لها عُلبتين .. في كل واحدة اتنين كيلو ..
ثم رفعت رأسها وأشارت بيدها لصف عرائس الحلوى وهي تقول :
- لف لي واحدة كبيرة.
كانت الساعة قد تجاوزت السابعة مساءً عندما طرقت باب شقة ابنتها العروس التي لم يفت على زواجها شهرين، والتي ما إن فتحت الباب ورأتها احتضنتها وهي وترفع صوتها بالترحيب :
- اتفضلي ياماما .. تعيشي وتجيبي ..
دخلت إلى وسط الصالة ووضعت الكيس الذي به علب الحلوى والعروسة الحلاوة على ترابيزة السفرة، خرج زوج ابنتها من الغرفة مرحبًا بها :
• خطوة عزيزة ياحماتي
ثم وقف أمام العلب .. مد يده يرفعها ويضعها مرة أخرى كمن يزن شيئاً ، وهو يقول :
• مكانلوش لزوم التعب؟! ..
انسحب بعدها إلى غرفة النوم وهو يشير إلى سماح لتتبعه.
جلست على الأنتريه الذي اختارته أم العريس لرخص ثمنه، وحلفت ألف يمين ما يدخل بيت ابنها غيره ، واضطرت ابنتها أن تقبل به رُغما عنها وإلا تكون طماعة ومش بنت أصول ، أدارت وجهها تنظر للشاشة المعلقة على الحائط .. تلألأت الدموع في عينيها وهي تتذكر بكاء ابنتها وتهديد العريس بإلغاء الزفاف إن لم تكن الشاشة أربعين بوصة، والثلاجة التي يجب أن تكون ستة عشر قدم وإلا أكلت الناس وشهم كما قالت أمه ..
هزت رأسها برضا وارتسم شبح ابتسامة على وجهها، ثم رفعت كفها تُقبله وش وضهر وهي تحمد الله أنها سترت ابنتها حتى لا تعيرها حماتها بفقر أهلها، لكنها انتفضت واقفة وكأن كفًا لطم وجهها؛ عندما سمعت زوج ابنتها يقول :
• إيه اللي امك جيباه ده؟! بالذمة مش مكسوفة؟! ده موسم عروسة؟! أقول لامي إيه؟ ..
لم تدرِ كيف جرَّت قدميها ومشت نحو الباب الذي فتحته وانطلقت إلى الشارع متعثرة الخطوات تتحسس الثقب في طرف أذنها