علي ابن النفيس، ذلك العالم المسلم المتوفى سنة 1288م، والذي نال شهرة واسعة في الطب باكتشافه الدورة الدموية الصغرى في الإنسان، والذي كان رئيسًا لأطباء مصر في زمانه.
أعتقد أننا جميعا نعرف ذلك، لكن أغلبنا قد يجهل العلم بأنَّ ابن النفيس كان طبيبًا وفلكيًّا وفيلسوفًا ونحويًّا وفقيهًا ومحدثًا وعالما بالسيرة.... في نفس الوقت وعلى مستوى متقدم في جميع هذه المجالات.
نعم، كان ابن النفيس من علماء الحضارة الإسلامية الموسوعيين، الذين جمعوا بين الروافد الثقافية المختلفة، وهذه من مميزات الحضارة الإسلامية.
⬅️ فنراهُ في الطب يؤلُّفُ: «فن الطب»، و«الشامل في الصناعة الطبية»، و«المُهذَّب في الكُحل المُجرَّب»، و«بغية الطالبين وحجة المتطببين»، و«بغية الفطن من علم البدن»، و«الرماد» و«شرح كتاب الأوبئة لأبقراط»، و«شرح مسائل حنين بن إسحاق»، و«شرح مفردات القانون لابن سينا»، و«تفسير العلل وأسباب الأمراض»، و«شرح الهداية في الطب للأخويني»، وله «رسالة الأعضاء»، وغير ذلك.
⬅️ ونراهُ في علم الحديث النبوي يؤلُّفُ: كتاب «المختصر في أصول الحديث»، والذي تناول فيه شرحًا وافرًا لمصطلحات علم الحديث، في خمس أبواب مشتملة على 23 فصلًا، حيث فَصَّل فيه الكلام في الخبر الظني والقطعي، وتناول شرحا لـ 22 نوعًا من أقسام الحديث كالصحيح والحسن والمرفوع والموضوع والمدلس والمتصل والمرسل والمنقطع والمضطرب إلى آخر هذا العدد، ثم بيَّن حكم اختلاف أسانيد الحديث الواحد، ثم ذكر في كيفية تحمُّل الحديث وروايته 8 مراتب، ثم تناول أحوال الرواة وشروط الراوي، والكثير من المسائل التي تتعلق بالجرح والتعديل، ثم اختتم كتابه بتوابع علم الحديث وكتابته وآداب سماعه وقراءته، والقدح في الحديث من جهة سنده ومتنه ومعناه، إلى غير ذلك من الموضوعات الدقيق التي تؤكد مكانته الراسخة في علم الحديث.
⬅️ كذلك نرى له في السيرة النبوية كتاب «الرسالة الكاملية» أو ما يعرف أيضًا باسم «فاضل بن ناطق»، والتي صاغها بأسلوب روائي، ودعَّمها بالحقائق العلمية والطبية.
وهذه الرسالة عارض فيها ابن النفيس كتاب «حي بن يقظان» لابن سينا، وانتصر فيها لرأي الشرع والدين على حساب الفلسفة والميتافيزيقا.
وفكرة الرسالة تقوم على راوي اسمه (فاضل بن ناطق) يروي قصة المدعو (كامل)، ثم يذكر كيف خُلق كامل، وكيف نما وعاش وتعلم، بواسطة الحواس، والقوى المختلفة، التي أنشأها الله فيه، ثم كيف توصل إلى معرفة الله سبحانه، ومعرفة النبوات، ومعرفة السيرة النبوية الشريفة، وكذلك معرفة الحياة الأخرى والبعث الجسماني وغير ذلك مما تقول به الشريعة الإسلامية.
ويقصد ابن النفيس من وراء تسمية راوي القصة باسم (فاضل ابن ناطق) إلى أنَّ هذا الراوي رجل فاضل ومفكر، ورث التفكير المنطقى عن أبيه (ناطق). أما تسمية بطل القصة باسم (كامل)، فإن ابن النفيس يرمز بذلك إلى أنه إنسان كمَّله الله بالصفات الحميدة، والعقل الراجح.
وهذه الرسالة رغم أنها أشبه للرواية الأدبية إلا أنها تكشف لنا عن تعمق ابن النفيس في السيرة النبوية على صاحبها أفضل الصلوات والتسليمات.
⬅️ وكذلك في الفقه: نرى له أيضًا كتاب «شرح التنبية للشيرازي»، وهو من أصول المراجع الفقهية على المذهب الشافعي. ومن الجدير بالذكر أن الإمام تاج الدين السبكي قد عَدَّ ابن النفيس من فقهاء الشافعية في كتابه الموسوم «طبقات الشافعية، 8/ 305».
⬅️ وكذلك في الفلسفة والمنطق: نرى له كتاب «الوريقات» في المنطق، وله «شرح الهداية» وكتاب «شرح الإشارات» لابن سينا، وهما من أبرز كتب الفلسفة، وكذلك له «شرح كتاب طبيعة الإنسان» و«شرح تقدمة المعرفة» لأبقراط.
وكذلك له كتاب «طريق الفصاحة» في النحو.
⬅️ وله في الفلك أيضًا كتاب «بغاية الإيجاز وبغية المجتاز»، ذكره الدكتور يوسف زيدان في بحثه ضمن المخطوطات المفقودة.
وهكذا نرى أنه لم يكن طبيبًا فقط، بل كان عالما بالفلك والفلسفة والمنطق والحديث والفقه والسيرة النبوية.
وما أرى ذلك إلا دعوة حق ونداءَ صدق إلى كل شباب الأمة الإسلامية، أن سيروا على نهج علمائكم ورموزكم المشرفة، في الاستبحار العلمي والتوسع المعرفي وكثرة القراءة والاطلاع ولا تكونوا في معزلٍ عن العلوم والمعارف المختلفة، لعلكم تستعيدون مكانكم الحضاري بين الأمم من جديد.