أَيُها الأجنبيُ البعيد إن عَلِمتَ كيف حالي فَلن تُسَر....فحالي ياعزيزَ القلبِ لا يَسُر..تَتقاذفُني رياحُ الدُنيا بين رَاحتيها..ولا أَقوىَ على الصُمود...جميع الطُرُقاتِ أغلَقَت أبوابَها في وجهي...تُعانِدُني الحياةُ مُنذُ أَنْ رَحلتً....الأحلامُ جميعُها تَحطَمت فوق رأسي...وماتَ الأمل على وسادةِ خيباتي يبكي في صَمتٍ مُجحِف...لم تَعُد العصافيرُ تُغَرِدُ على نافذةِ غُرفتي...قد هاجروا هُم أيضاً ليبحثوا عن مكانٍ أكثر دفئاً من هذا الصقيع الذي أَمضي بِهِ أيامي بِرفقَةِ أصوات الغِربانِ الطَرَبية ....حَبيبَتُك التي كانت تُحلِقُ بأمل تحَطَمَ جِناحاها....اللونُ الرمادي المُحلِقُ في الفضاء وأزيزِ الوِحدة يتآكَلُني من الدَاخِل....لا شيء يُبقيني على قيد الحياة...أَخشى أَن أَفقِدَني أَكثرَ من ذَلِك....أَخشى أن أنساكَ يوماً بين خُصلاتِ شعري...فتَضيعَ حينما يَتَساقط وتَمضي ولا أَشعُرُ بِك....أخشى أن أَنسى مَلامِحَ وَجهك حينما أَنظُرُ إلى وَجهي الباهت عديم الحياة في المرآةِ،فأرَاهُ غريباً من أَثرِ التعب والإجهادِ وقِلَةِ النومِ والإرهاقِ والقلق...أَخشى أن تذهب وتختفي يوماً وأُصبِحُ علي فجرٍ جديدٍ من دُونِك أنتَ أيضاً...لا أعلم كيف أشرحُ لكَ ذلك...وَلَكِني أخشى أن تَتفَلت من بينِ جدائلِ شَعري حينما أَستيقظُ من النومِ وتتَشَعث....أخشى عليَّ مِنك وأخشى عليكَ من حُبي ومن العالمِ والناس...فجَميعَهُم كاذِبُون وَمُخادِعُون وَمُنافِقون....حُبي لَك هو فقط الصادق...آتساءلُ أحياناً هل تَستَحِقُه ؟!..وأحياناً أُخرى أَعودُ إلى نَفسي وأقُول وإن تَوقَفتُ أنا عن حُبِك فماالفائدة من العيش....فحُبي لَك يُشبِه ذلِكَ البيت الوَهن الذي يَصنَعُه العنكبوت إن أَفلَتُه ولم يُغذيهِ بخيُوطٍ جديدة إنقَطَعَ وذَهَبَ أدراجَ الرياح...بيني وبينَكَ خُطوتانِ وَنفتَرِق،وذلِكَ القلبُ الأحمَقُ بين ثنايا ضُلوعي يَتَمزَقُ يَحتَرِق....نَفسي أصبَحت كَشفرَةٍ مُكَوَدَة لا أستطيعُ فَكَها....ماأُريدُ أن أُعلِمُكَ إياه أنَني وبالرُغمِ من كُلِ ذلك مازلتُ على قيدِ الحياة....أَتَمَسَكُ بِقَشَة على حافَةِ الهاوية....أَما عن رُوحي فَلم تَعُد تَئِنُ من ألَم ولم تَعُد تَنزِف....تجاوزَت هذه المَرحلة مُنذُ زَمنٍ بَعيد تاريخَهُ مَنسي...هي الآن كالأرواحِ الهائمة في مَلكُوتِ عالمٍ آخر حقيقي غير هَذِه الدُنيا الحَقيرة....فهُناك لا وَقتَ كالوَقتِ ولا الزمانِ كالزَمان....أيُها الأجنبيُ البعيد....أرجو أن تُصبِح يوماً ما قَريب لِتَتعانق رَوحانا عِندَ الحبيب...فهل تَستَجيب؟ !!