نظرية "ملء الفراغ" هي نظرية سياسية ظهرت بعد الحرب العالمية الثانية ... امريكا شافت ان القوتين العظمتين بريطانيا وفرنسا قد اضمحلوا ولم يعدوا قادرين على السيطرة على مستعمراتهم في الشرق (كله من الصين مرورا بالخليج ومصر حتي المغرب) .. لذلك يجب على امريكا ملء ذلك الفراغ بدلا منهم ...
= تنوعت اساليب امريكا في ذلك ولكنها في الاغلب تعلمت الدرس ولم تتدخل عسكريا بجنودها بل دعمت (ان لم تدبر بنفسها) كل الانقلابات العسكرية على النظم القديمة المؤيدة لبريطانيا وفرنسا وانشأت احلاف من الدول الخارجة من عباءة بريطانيا وفرنسا .. مما اخرج في النهاية بريطانيا وفرنسا (المضمحلتان) من الشرق باكمله واصبحت السيادة للمستعمر الجديد امريكا.
= ارى الآن نفس السياسة (ملء الفراغ) بتتنفذ في منطقة الشرق الاوسط حرفيا بعد اضمحلال مصر للاسف الشديد وانكفاءها داخليا. .. تتصارع ثلاث مشاريع تمددية توسعية بالمنطقة وهم المشروع الصهيوني والتركي والايراني.
= المشروع الايراني الان يتصادم عسكريا مع كلا من المشروعين التركي والصهيوني في كل مناطق نفوذه اليمن لبنان سورية والعراق (وكلها فيها قوات عسكرية شيعية تعمل كاذرع ايرانية) ناهيك عن الخطوة المتوقعة بنقل الصراع لداخل ايران نفسها بعد ذلك ..
= المشروع التركي بخلاف المشروع الايراني بيتمدد بقوته العسكرية الذاتية (يعني بالجيش التركي بنفسه) .. حتلاقي قواعد عسكرية تركية في شمال سورية وشمال العراق وقطر والصومال وجيبوتي وغرب ليبيا .. بخلاف معاهدات دفاع مشترك مع اثيوبيا ومعاهدات عسكرية لتدريب عدد كبير من الجيوش الافريقية.
= المشروع الصهيوني بيتمدد بصورتين .. الصورة الخشنة بقصف اى قوات تابعة للمشروع الايراني في لبنان وغزة وسوريا واليمن والعراق حتى يضمن انه ممكن يتوسع عسكريا في اى وقت يحدده .. والصورة الناعمة بالاستحواذ الاقتصادي على مقدرات الدول المحيطة به وغالبا بيتم تحت واجهة دولة عربية كلنا عارفينها.
= اخر صور تمدد المشروع التركي هو عقد مصالحة بين اثيوبيا (اللى تركيا موقع معاها اتفاقية دفاع مشترك) وبين الصومال (اللى فيها اكبر قاعدة عسكرية تركية وشريكها التجاري الاول هي تركيا) .. وبهذا الاتفاق ستضمن اثيوبيا قاعدة بحرية على البحر الاحمر مما يعطيها وسيلة ضغط على الملاحة به واعلنت تركيا انها ستساعدها على تأسيس قوات بحرية متطورة وقوية ( خد بالك ان تركيا دولة متطورة جدا في صناعة التسليح من الدرونز للطيارات الى صناعة حاملة طيارات محلية الاناضول) ... وستسفيد الصومال ماديا بتأجير الميناء وازدهار التجارة. وطبعا الرابح الاكبر تركيا ومشروعها التمددي.
= اليوم اردوغان قابل البرهان قائد الجيش السوداني (اللى المفروض حليفنا) واعلن عن استعداد تركيا للوساطة بينه وبين الامارات (الداعم الاكبر لمليشيات الدعم السريع .. بيجيب من الاخر لانه عارف ان حميدتى مجرد اداة اماراتية ) وطبعا معنى اعلانه ده للصحافة ان في تمهيدات تمت بالفعل وجاري تنفيذ خطوات المصالحة ..
= هذا يعد اختراق كبير وخطير للامن القومي المصري فامن السودان يعتبر الجزء الأساسي والاهم من الامن القومي المصري .. خصوصا لو تضمن اتفاق المصالحة بين السودان والامارات خطر كبير مثل وجود قوات او تسهيلات عسكرية تركية لضمان تطبيق الاتفاق او اتفاقيات دفاع مشترك او اقل خطر وهو نفوذ تركي على القرار السوداني.
= للاسف الثلاث مشاريع الصهيوني والتركي والايراني يتصادموا احيانا ويتحالفوا احيانا في غياب تام لمصر ... دى الحقيقة سواء شئت ام ابيت .. مصر بتمر بفترة اضمحلال شامل سياسي اقتصادي فني رياضي واجتماعي تعليمي صحي و للاسف الشديد اخلاقي.