أحكي عنهما:
بعين قلبي أبْصرت ماحكاه لي والداي، وبلسان حالهما أصيغ الكلمات نيابة عنهما، لتصف ما عشناه ونعيشه معهما! بين ما أرويه عن لسانيهما، وماكانا سيرويانه هما، ليس من حائل إلا حاجز انشغالهما بنحت الرواية أثرا، فمن يغرس الأثر لايسرده ، لكن الحاجز يظل شفّافا، أجْليه بصدقي، وبما تعلمته منهما.
الزوجة والحبيبة..أروي عنها:
لخمس وعشرين سنة من عمرها كانت تطرق نوافذ الحياة، علّها تُلبي ندائها ببعض نسمات من فرح، لكنها أبت إلا أن تدّخره لها بين ساعديه، فأغدقت عليها بالسعادة، حين احتضنت يداه يديها للمرة الأولى! لم تمنع عنها البحار والأميال البعيدة دفئه الذي توهج بقلبها، يذيب جليد السنوات عن جدرانه، إذ حكمت عليهما دواعي العمل بالتواجد في بلدين مختلفين في السنوات الأولى لزواجهما! فتوحدت روحاهما تقيما الشعائر في رسائل الحب والشوق، يلتقيان في الأجازات السنوية، فيشرق وجودها، تتلون ورودها، و يجددان معا كل نذور التوحيد!
يسألها كل من يعرفها إن كان الزواج قد غيرها؟ فتجيب في سريرتها إنه الحب ينجبها!
اجتمعا أخيرا في بلد واحد، فتخيرا لغرساتهما الأولى، شتلات الحنان، والسماح، والأمل. عاش حبيبها معها نجاحاتها لحظة بلحظة، شاركها فيها بل وبناها معها، يحيطها يوميا بنسيج من الحب، طرّزه بتفاصيل مليئة بقصائد الغزل، وبالمفاجآت والحكايات والضحكات، يعاتبها على ابتعادها عنه، حتى ولو لدقائق، لم يجد التعوّد متسعا كي ينفث ضبابه في وجه شمسيهما، شمس لا تزيدها مسؤولية الأولاد ومشاكلهم، والتزامات العمل والحياة إلا سطوعا! تبوح له بكل شيء ما إن ترى عينيه، فهما سرها الوحيد!
( بحبك يا بابا) ليست مجرد كلمات تعرج كل يوم على مسامعه، وإنما هي الشهيق في حياتها والإيقاع في قلبها!
الزوج والحبيب ...أروي عنه:
كانت ابنة عمه التي يفصلها عنه أميال وأميال، حتى باغتته تلك اللحظة التي رآها فيها حبيبته وأنثاه، نصفه الثاني الذي اهداه الكمال، وهبت لروحه أجنحة تطال السماء! تذلل درب الحلم بالحنان، بالسماح، بالأمل، بالحمد والحسم!
تغار عليه أكثر ما تغار! من الضيق، من الحزن أو الهم، (فداك يا حبيبي، ولايهمك اي حاجة في الدنيا)، تُدثّر بها قلقه، وتدعمه بكل ما أوتيت من بذْل، تصهر كيانها في كيانه فيتكئ قلبه على ظهرها، هي سنده وملهمته، تتحدى كل المتاعب والمصاعب لترسم الابتسامة على وجهه ووجوه فلذاتهما!
(بحبك يا ماما)، يحدث بها نفسه أكثر الف مرة مما يقولها لها!
الأبناء أروي عنهم:
في منزلنا تتبعثر القبلات والضحكات محلّقة في كل لحظة، لا تنتظر مناسبة كي تنطلق مغردة ألحان الحب، والإبداع، أما التفوق فلم يكن يوما غاية لكنه تشبث بنا كنتيجة، ونحن نرى حب أبي وأمي، يفصح عن نفسه لا يخفيانه، فنشعر بالأمان، ونرتشف الصدق والصبر، والبذل في شراكتهما في كل المواقف والتفاصيل، يدا بيد، فكرة بفكرة، لا حواجز بينهما ولا فوارق، ذابت كلها لتدفئ خطواتنا في سبيل حفروه لنا بين نبوع عطاء لا تنضب، وتسامح غير مشروط الا بالمزيد من الحب!
أبي وأمي في مهب أنفاسكما يتبعثر الوصف والسرد بين ضفتي الحياة والوجود!