كتاباتي كلُّها على الأسقُف: سقف مكتبي، سقف الحافلة المُزدحمة، سقف المصعد، سقف غرفة الضيوف الضيقة مهما اتسعت بالغرباء أو الأقارب، لا يهم....
ولكن أكثر الأسقف حفظًا لكتاباتي: سقفُ غُرفتي.
نعم، كتبتُ كثيرًا كي أفرَّ من كلِّ الأماكن المُغلقة، سردتُ عن كلِّ الجنون الذي لم أفعله، كي يراني الجميعُ ثابتًا، قويًّا، و حكيمًا...
وأنا أعرفُ مَن أنا: مجذوبٌ، غاضبٌ، رافضٌ لكلِّ قيودي.
كتبتُ مذكِّراتي على الأسقُف، وتلك المواقف التي وقفتُ فيها مبتسمًا، وكفُّ يدي يَضرِبُ بقوة في هواء مخيلتي،
عن الكاذبةِ أمي أشعارًا؛ امرأةٌ غلبَتِ الحياةَ البغيضة بكذباتٍ جميلةٍ مُلوَّنة، أمام والدي الذي لم أدخلْ عَينه يومًا،
لم يفتخرْ أمام الرِّفاقِ بأن له ابنًا مختلفًا عن القطيع؛
لربما كان اختلافي، وتخلُّفي، أمرًا مُخزيًا له...
أسقُفي ابتسمتْ لبعض الكتابات التي رسمتْ امرأةً رائحتها زهورٌ ريفية، ودلالُها يتسلل إليكَ، يعبثُ بأنفاسك كرائحةِ الخبزِ في الفرنِ القديم.
أنثى تعوجُّ لتُقيمَك، تحتضنكَ جثةً فتُحييك...
امرأة تصلح القلب، وترمي كل النفايات التي تركنَّها الغانيات قبلها..
معجزةٌ بَلقيسية، لا يسرقُ عرشَها إنسٌ ولا جان.
يتمددُ برحابةِ حنانِها الكونُ، يستمتعُ بدفءٍ نامَ على جدائلها، ولا يملُّ، ولا يتوب...
أينَ كتاباتي؟
الأسقُفُ مُمتلئةٌ، يا صديقي...
كتاباتٌ تمنعُها رقابةُ الأوغاد، كتاباتٌ منفيَّة، أو مصلوبة...
لأنَّ الحقَّ يركضُ لاهثًا أمامَ الطُّغيان...
أنا كاتبٌ لن يتركْ خلفه إرثًا سوى أسقفٍ وجُدران...