يواجه السودان الحديث تحديات جسامًا في المرحلة القادمة، وعلى رأسها تحدي التعليم، الذي يُعد من أهم الركائز التي تنهض بها الدول وتُبنى عليها نهضتها الحديثة، فمن دون تعليم راسخ ومؤسسات تربوية قوية، لا يمكن أن نخرج من عتمة الأزمات إلى نور التنمية والاستقرار. وقد أثبتت التجارب أن الدول النامية التي حققت نهضتها لم تفعل ذلك عبر مواردها الأولية، بل عبر العلم والمعرفة والتخطيط العلمي الرشيد، لقد عُرِّفت الدولة النامية بأنها الدولة التي لم تبلغ بعد مستوى الرفاه الاقتصادي والاجتماعي الذي وصلت إليه الدول المتقدمة، ويعتمد اقتصادها على الزراعة والثروة الحيوانية والموارد الأولية والأعمال التقليدية وهذا بدوره يتطلب فهمًا عميقًا لمقومات الإنتاج وعوامل التنمية، حتى تُبنى رؤية تنموية شاملة تُعالج جذور الضعف في الاقتصاد والتعليم معًا لقد سبقت نهضةُ معظم الدول النامية التي تقدمت إصلاحًا شاملًا في التعليم واهتمامًا متزايدًا به ودعمًا مستمرًا لمؤسساته. وهذا لا يتحقق بالتمني، بل بوجود قيادة تمتلك إرادة حقيقية وفعّالة، تجعل مصالح المجتمع فوق كل اعتبار إن إصلاح التعليم ليس عملًا ثانويًا أو ترفًا فكريًا، بل هو أولى المهام التي يجب أن تضطلع بها أي حكومة قادمة. فالتعليم، شأنه شأن بقية المؤسسات، تأثر طويلًا بتبدّل الأنظمة السياسية حتى صار في كثير من الأحيان أداة تخدم توجهات الحاكم لا حاجات الشعب غير أن السياسة تتغير وتزول، أما التعليم فهو الثابت الذي تُبنى عليه الدولة وتُصان به الكرامة الإنسانية
إن التعليم هو أهم ركائز الدولة وأعمدتها الراسخة. فالزراعة التي يقوم عليها اقتصاد السودان تحتاج إلى رؤية علمية حديثة، تُدخل الهندسة في الزراعة، وتُنشئ شراكات مع مؤسسات التقانة والإرشاد الزراعي، لتتحول من نشاط تقليدي إلى عملية إنتاجية متكاملة قائمة على المعرفة والبحث العلمي، وأي خطة اقتصادية أو إصلاح تنموي لن ينجح ما لم يستند إلى كوادر بشرية متعلمة ومؤهلة تمتلك الكفاءة العالية والإدراك العلمي الواسع أما التنمية التي يتطلع إليها الشعب، فلا يمكن أن تتحقق من دون العلم والهندسة والعلوم التطبيقية. فالعلم هو الذي يصنع الفرق بين المدينة المنظمة والقرية العشوائية فحين ننظر إلى المدن الحديثة نرى فيها أثر الهندسة والتخطيط، بينما تعاني كثير من القرى من غياب هذا الوعي، فتتشابك الطرقات والمنازل بلا نظام، مما يخلق تشوهات عمرانية ومشكلات اجتماعية تصل أحيانًا إلى نزاعات قبلية بسبب تداخل الحدود وغياب التخطيط السليم، لم تنهض أمة في التاريخ إلا بالعلم، وإن أردنا النهوض فعلينا أن نجعل دعم التعليم أولى أولويات الدولة، وأن نُوجّه الموارد والجهود لإصلاح المؤسسة التعليمية إصلاحًا شاملًا، يصل أثره إلى كل المجتمعات دون استثناء فالنهضة الجزئية التي تترك وراءها مجتمعات تسود فيها الأمية ليست نهضة حقيقية، بل فجوة أخلاقية ووطنية تُحاسَب عليها الحكومات ويُلام عليها الضمير الإنساني.








































