عندما تنضج عقليا وعاطفيا يضمحل مصطلح _خذلان_ من قاموسك؛ لا بالمعونى الدرامي أنك لم تعد تثق بأحد بل لأنك أصبحت تدرك أن الناس معادن، فأحيانا تجد أنك دفعت ثمنا باهضا مقابل قطعة صدئة مغلفة بغبار الذهب ؛ ويتجلى نضوجك هنا عند معرفتك استغلال تلك القطعة الصدئة بما يناسب كنهها حتى بعد اكتشافك أنه تم خداعك بالقشرة اللماعة، فأنت زدت خبرة بأصالة الأشياء من عدمها، وإياك أن تبتئس من تكرار التجربة فالتكرار يثبت مصداقية النتائج.
عايشت الخذلان طويلا وقد كان وبلا شك من أثقل المشاعر؛ تكرارها كان كنكإ جرح في موضع واحد مرارا وتكرارا، لكني اكتشفت أني كنت كمن يسير وهو نائم ويجرح نفسه وينكأه كل ليلة، ما أقوله ليس بشيء فلسفي إنما وببساطة هو حديث عن الوعي؛ الوعي بأنك لا تستطيع أن تغير الناس وطريقة معاملتهم إياك بل ونظراتهم إليك، إنما السر يكمن فيك أنت؛ نعم أنت السبب في كل شيء ولا أقصد بذلك جلد الذات أو الإحساس بالندم، بل بالعكس المقصد هنا هو الصحوة الروحية وإدراكك قيمة ذاتك وأنك وبلا شك مخلوق فريد من نوعه؛ يكفيك عزة أن الله سبحانه وتعالى سخر لك الطبيعة والحيوانات والجماد حتى وكرمك بعقل لا حدود له ، لكنك تصر أن تحاصره وتحكِّم عليه أفكار أغلبها من وحي الخيال ومشاعر يفترض أن تكون معك لا عليك.
يطول الحديث في جزئية سيطرة الفرد على أفكاره ومشاعره، لكني هنا ركزت على الخذلان لأنه بالفعل شعور يمكن التخلص منه للأبد فقد بقليل من الوعي أن لكل شخص صفات غير صفاتك ورؤية للخطأ والصواب غير رؤيتك وبغض النظر عن كونه شريرا أو طيبا(مصطلحات نسبية )؛ فشعورك بالخذلان سببه الرئيسي أنك بوعي منك أو بدون وعي تقمصت دور الضحية.