من أراد أن يعلي في قلبه كائنًا ما كان، فليقترب
ربيت العصافير (كوكتيل) فرأيت قسوة وغيرة وخيانة ومكايدة وقتل، فلما طاروا لم أفكر في إعادة التجربة
اقتربت من القطط فرأيت الاستغلال وتسخير أصحابها لدلالها بلا معذرة لتقصير من تعب، ففي الحال تغدر
راقبت كلاب الشارع طويلا، فرأيت خبثًا وقسوة في الإحاطة بقطة للافتراس دون جوع فهم لا يأكلونها وإنما يكتفون بتمزيقها، ورأيت الشذوذ الجنسي مرارًا، ورأيت الابتذال والوضاعة في الجنس وفي قضاء الحاجة وفي خيانة الكلاب الأخرى وافتراس جرائها
لا تقُل عن أيٍّ من تلك الكائنات هذا طبعها، فأنت إذا اعتمدت المبدأ وجب ألا تلوم من يقتلون أو ينتهكون أو يتحرشون أو يعذبون مسجونًا، فهذه طباعهم!
لكلٍ طبع، ولكن إن كنت راقيًا لن تقبل روحك وضاعة الطبع، ولا قسوة الطبع ولا غدر الطبع
ومن أراد أن يعلي في قلبه كائنًا، فلا يمدن يده بالعطاء ويقول أخذها مهذبًا، فإنك إن أجزلت لأعتى المجرمين قبَّل يدك ليأخذ، لكنك لا تدري كيف هو حين تدير وجهك عنه
أما من يلقى السوء من كائن الإنسان، فيستبدله بقبيح غيره، فذاك من يظن أنه منتقم بالاستبدال، فما أشد سذاجته
وأما من رسم أحلامه الواهمة على كائن واكتفى بتصديق الحلم، فما أشد سذاجته
وأما من اشترى لنفسه رضا كائن، وغض الطرف عن أذى غيره، فما أشد سذاجته
الحال قسوة، والمآل هروب، والرؤية قد تميت.. أعرف كل هذا
لكن كل هذه المشقة لا تبرر أن تختار السذاجة بنفسك، وأن تعمى عن عمد.
لهذا وصل حال أهل هذه الأرض، ثم يرى القائمون عليهم أن لا حاجة لعلم النفس وعلم الاجتماع..
هذا يعني ترك المجتمع (غير المرغوب فيه) ليفني نفسه بنفسه.. يعني تسليط الناس على بعضهم بعضًا واستبعاد معالجة الأمر بالعلوم الإنسانية، فضياع هذا المجتمع الذي هو على رأي شويكار "جدك كان قائد طابية؟.. لا؟.. تبقى مش من مستوايا" مطلوب
هل تضبط ميزان النفوس إرادةٌ متحدية؟
حتى التمسك بإرادة الحياة أمر ليس مضمونا، المحاولة أشق من القفز في ماء النيل الثقيل مكتفًا.. هل سمعتم عن أميرة اتُّخِذت عروسًا للنيل؟.. إنما العروس من العامة.. منا.. واللعب للملوك.. لهم.. وعلى العامة التصبر الأحمق بأنها -لامؤاخذة- عروسًا للنيل.
دوائر النور الضيقة هي الأمل الوحيد.. عساها تلتحم يومًا ويتسع النور ولو بعد عقود أو قرون.. أما التغيير المفاجئ، فقد جربناه وعرفنا مصيره.. من يشعل النور لأجل الناس، يشعل الناس النار فيه
في أحوالنا هذه يخبرنا التاريخ أن بعض اليأس يفيد، والأمل الصغير قد يكون منفذ النور الوحيد
فمرحى بالآمال الصغار التي تكبر بالمثابرة