هذا الذي يتعداني في طريقي للعمل أو لقضاء مطالبي الحياتية التي أحتاج فيها إلى كل دقيقة, هو يسرقني,
و هذا الذي لا يعبأ بي و لا بما بذلته من أعباء كي ألحق بوقتي و لأكون في موقعي بين السيارات في هذا الموضع المتقدم نحو المخرج او المدخل للطريق السريع, و يجور على موقعي ليسبقني, هو يسرقني.
و يؤلمني كثيرا أن يتمسك الكثيرون بحرمة السرقة و يتمسكون بخُلُق الأمانة نحو التزام عدم السرقة في المال, و هم لا يحسبون للتعدي على أوقات الآخرين أي أهمية, و لا يعُدونها من التعديات.
و نجد تلك السرقات بأشكال و نماذج مختلفة و متنوعة, فهناك من يتصل بك ليقتحم حياتك العملية في أوقات العمل التي لا تحتمل الإهدار في الوقت المحدد للعمل, و قد يستحيي – و هذا خطأ- البعض من صد المتعدي على الوقت الخاص بالعمل, و لا يجد مناصا من استمرار التواصل مع المُعتدي المتعدّي على وقته.
و أحيانا أخرى نجد من يقفز على حياة الآخرين الخاصة و يتعدى على خصوصية الآخر بزيارة في غير موعدٍ مناسب أو مسبق, مما يضطر المضيف أن يستقبل الزائر بلا رغبة, ليستمر الزائر دون أي حساب لتعديه على وقت الآخرين.
و الصور في ذلك كثيرة, مما يجب أن ننتبه له جميعنا –و لا أبري نفسي- إذ أن الانتباه لأوقات الناس شيءٌ أكثر من هام, خاصة و أن التعدي أحيانا لا نستطيع دفعه عن أنفسنا كما يحدث في من يجور على سيارة مجاورة ليأخذ مكانها عنوة كما أسلفنا, أو في عداها من اللصوصية المقيتة في سلب أوقات الناس.
و من العجيب الغريب, أننا نجد من يفعل ذلك, هو أول من يتأفف و ينتقد بحِده حين يستشعر أي تجاوز ممن يتعدون عليه في نفس الأفعال التي لا يلقي لها هو انتباها فيما يخص الآخرين.
لكننا لا ننسى أيضا, أن هناك من يفعل ذلك و ليس في مخيلته أنه يفعل تعديا أو سرقة من وقت الآخرين, و يعتبر ذلك أمراً هيناً,, لكنه عند من يُسرق عظيم.
و علينا إزاء هؤلاء, أن نُرقّي مفاهيمهم نحو حقوق الغير, و وجوب الانتباه لأي استحقاقات قد نتسبب -حين نتعدى عليها- في ظلم و هضم للغير كبير, و أنه كما أننا نتأفف من الآخر حين نراه يتعدى , فإن علينا رفع حساسيتنا تجاه حقوق الغير و لا نتعدى.
إن رفع وعي الناس و لفت انتباههم لكل تلك الممارسات المتعدية و عِظم ضغطها على الآخرين, و إن النقاش العام من النخب المثقفة تجاه المجتمع, و بين الناس أنفسهم بعضهم بعضاً في ذلك المضمار, لأمرٌ نحتاجه بشدة و بإرادة صلبة, تعمل على ترقية الأفهام و رفع الوعي تجاه حقوق الآخرين.