كنا في أول يومٍ دراسي،، حيث كنت بالمرحلة الإبتدائية حين سمعنا بأن الحرب قد بدأت، لم نكن على علمٍ كامل بماهية الحرب ونحن أطفالًا، إلا أن مفهومًا ضبابيًا أرخى سدوله على مشاعري حينها تجاه الأيام القادمة.
أُغلِقت المدارس، بُنِيَت حواجز الحماية, لُوِّنَت صفحات زجاج النوافذ بالأزرق, وظللنا في المنازل حينًا من الوقتِ نتلقى الدروس التعليمية عبر المذياع, وتداخلت الأحداث وانفعلت المشاعر، تجاه وقائع كل يومٍ ساعة بساعة،
البيانات العسكرية الصادقة تتوالى، وأخبار الانتصار تهل على مسامعنا، وحالة جديدة تسري في الوطن, وأغنيات النصر تشدو بها بلابل مصرية تحرك الوجدان.
فهناك "على الربابة بغني" وهُنا "خللي السلاح صاحي" و ليس بعيدًا "راجعين في إيدنا سلاح رافعين رايات النصر" وفي النهاية "سمّينا وعدينا وإيد المولى ساعدتنا" إلى آخر تلك الأنشودات الغنائية التي حفرها تاريخ تلك الأيام في ذاكرة جيلٍ مصري عاش التحدي وشاهد تحقيق الحلم, الذي كان ومازالت تفاصيله محفورة في أذهان هذه الأجيال التي عاشت خطواته.
إلا أننا وعلى الطرف الآخر نلمح أجيالًا في الحقيقة لم تعش في تلك الأيام العظيمة زمنًا، ولم تنهل من معالم النصر كثيرًا، ولم تتعرف على تفاصيل الملحمة العظيمة إلا قليلًا, وأراها متعطشةً لسُقيا نماذج التضحيات لهذا الوطن, ممن قدموا أرواحهم فداءً باختيارات بطولية وبسالة واضحة, تصلح لأن تكون قدواتٍ لكل زمان في أي مكان.
وللأسف لا تجد تلك الأجيال المتعاقبة على ساحة الإعلام طوال العام –باستثناء سويعاتٍ في ذكرى النصر- إلا قدواتٍ تخطف الأبصار دونما قدوة, و تلهب أمنيات الشباب ليكونوا مثلهم وهم لا يقدمون للوطن شيئًا, مثل مسميات الأسطورة وغيرها, مما يُفرز للوطن أجيالًا قد لا تعطي في طريق البحث عن الأخذ دونما أي عطاء.
ولا أجد أعظم من تقوية أواصر الإنتماء، بين الشباب ووطنهم أكثر ولا أكبر ولا أعظم من أن نقدم لهم القدوات الحقيقية التي قدمت الروح فداءً للحق والوطن, بتفاصيل ووقائع حدثت صدقًا، وسجلت أروع البطولات المصرية بأيدٍ مصرية على أرضٍ مصرية، و بتخطيط عسكري استراتيجيٍ مصري عظيم.
بكل صدق, نحتاج بشدة إلى تقديم هذه البطولات في تلك المعركة التاريخية إلى الشباب، بأدواتٍ وتقنياتٍ غير اعتيادية، تتناسب مع إمكانيات عصر شباب اليوم، لنحكي لهم بطرق إبداعية عن كيف قدم آباءنا وأجدادهم أرواحهم إلى وطننا مصر محمولة على أياديهم فداءً لتراب هذا الوطن.