لاشك أنه إذا ما ذُكر شعبُ مصر، فأول ما يتبادر إلى ذهن السامع هو ذلك الشعب خفيف الظل الذي يحوّل كل محنةٍ إلى فكاهةٍ جميلة، تتحول معها المصاعب والمحن إلى ضحكات على وجه صفحة الأيام، بفعل الكلمة الساخرة والمقال الساخر والتعليق الشيق الذي يسخر من الواقع.
وهكذا هم أهل مصر، شعبٌ ساخرٌ بطبعه، بخصائصه التي تعلوها السخرية الباسمة دائما، والتي تبطش بالشدائد وتذيب المصائب، بما يُعد خصلة إيجابية تضيف للحياة دوما حياة.
إلا أنه وبالرغم من ذلك, فهناك خطورةٌ شديدة قد تحدث أيضا إذا ما تمادينا نحن أبناء مصر في محور السخرية من الواقع بالتعليق الساخر، و"القفشة" الساخرة تجاه الأمور الهامة والأحوال المصيرية، والتي يستسهل معها كثيرون السخرية، ويأتون بها بتلقائية قد تضر أبلغ الضرر بوقعها المؤثر على نفوس الجموع من الناس.
ونلاحظ مع تلك الوقائع والأحداث الجسام، وما يستوجب إزاءها من وقفات هامة وإجراءاتٍ تامة، أن لدينا أحيانا سيلٌ عَرِم من التعليقات الساخرة والأقوال المتهكمة التي تنتشر عبر منصات التواصل الاجتماعي بشكلٍ سريع، وبطريقة تستوجب التحليل، وما يستتبعها من ردود فعل سلبية تجاه ما لا يجب السخرية منه، وهو الذي يؤدي حتمًا إلى ضررٍ بالغ بموضوع الحدث الذي يجري.
ونرى صورة أخرى من صور السلبية التي تحدث من التعامل الساخر أيضا، وهي التي ينتقد بها البعض آخرون، حين يرفضون آراءهم أو مع أطروحاتهم يختلفون، حيث يلجأون إلى السخريةِ منهم والرد على آرائهم بتهكمٍ وسخريةٍ لاذعة, تحيل الحوار إلى مواجهة وتعارك بالسخرية المتبادلة، التي يصعب معها الوصول إلى أي نتائج إيجابية لمثل هذا الحوار.
ومن ذلك أيضا, هناك من ينشر نكاتٍ وتعليقاتٍ ساخرة تمس أفكارا وطنية، أو توجهاتٍ اجتماعية إيجابية، فتضعف من قوة احترام الناس لتلك القيم حين تصاغ بسخريةٍ يتداولها الناس,
أو ما نلحظه كثيرًا من تقديم الأخبار المكذوبة والشائعات المغرضة أحيانًا بطريقةٍ ساخرةٍ خبيثة, تجعل القاريء يقبلها متبسما ضاحكًا لترسخ في قناعته رغم أنها افتراء.
إلى غير ذلك من الصور السلبية لاستسهال استخدام الأسلوب الساخرِ بين الناس.
ولابد هنا من أن اؤكد على أننا بالطبع لا نقصد التعليقات الساخرة التي تُقدم نقد السلبيات، ولا الأسلوب الساخر الذي يهدف إلى كشف الخلل بالمجتمع بصياغاتٍ ساخرة، ولا التي تهدف إلى الترويح والترفيه بأسلوبٍ ساخرٍ لا يمس ثوابت ولا يهدم إجراءات، فهذا النوع نحتاجة دوما ليظل الشعب المصري به على قمةِ إبداع الصياغات الراقية الساخرة, برقيٍ ووعيٍ نحو التنمية والبناء.