تطالعنا القنوات في هذه الآونة بمصادمات نتابعها عبر لقاءاتٍ بين من يمثل المرأة وآخر يمثل الرجل، في برامج حوارية ليست رزينة، وتبدأ الجدالات في تلك البرامج وتتوتر الأجواء وترتفع درجة حرارة الحوارات لتصبح تشنجات وهجوم ودفاعات، حتى يتم استدعاء رجل الدين الذي لا يؤثر كثيرًا في الكثيرين ممن يتشاحنون عبر الشاشات، ثم يقوم الإعلامي الذي يدير الحوار باستفزاز جميع الأطراف بحثًا عن المشاهدات، التي ليست إلا رقمًا يتم تسجيله وبه يتباهى.
ويروح الزوج في وصف الزوجة التي لا تهتم به ولا تعبأ إلا بحقوقها وهي عن واجباتها بعيد، ويعدد الزوج مساويء الزوجة سواءً كانت ربة بيت فهي لا تنشغل إلا بمتابعة الصفحات عبر "النت" واليوتيوب ومنصات التواصل، تاركة مسئولياتها الكبيرة تجاه البيت وتربية الأبناء، وإذا كانت عاملة فالعمل يلتهم جُل وقتها بحيث لا يكون لديها وقتًا له ولا لأسرتها فيحدث التقصير.
وعلى الجانب الآخر نجدها تفتح نيران الاتهامات صوب الزوج، فبعد أن حاول إثبات تقصيرها وإهمالها في البيت نجدها تشير إليه بأنه الذي يستحوذ على دخل الأسرة ولا يوجهه بشكلٍ بنّاء، وكثيرًا ما تتهمه بأن نصف وقته للعمل والنصف الآخر لأهوائه ونزواته، وأنه الذي لا ينتبه لمشاكل الزوجة واحتياجاتها الاجتماعية التي لا تتناسب مع قريناتها وقريباتها من حولها، وبذلك هو المقصر وبشدة. والامر فيما أتصوره لا يعدو عدم معرفية بنطاق مسئولية الزوج والزوجة، تجاه الأسرة وتجاه الأبناء وتربيتهم، إذ لابد من التعرف على ذلك قبل الزواج وبالأخص في مرحلة الخطوبة، ليعرف كل طرف ما هي مسئولياته، واجباته وحقوقه، صلاحياته وتبِعاته، ومن هنا تكون بداية فك الاشتباك بين الزوجين فيما بعد الزواج، على أساس ما تم النقاش فيه في فترة الخطوبة التي يهدرها أغلب المخطوبين في المشاعر العاطفية والرومانسية بعيدا عن التفاهم الواجب عن نطاق المسئولية الأسرية لدى الطرفين، مما ينعكس على الزوج والزوجة فيما بعد لعدم وجود تفاهمٍ بينهما مدروس ولا قناعات عن المسئوليات التي يجب حسابها من ذي قبل.
وهناك بعدٌ آخر، يجب أن لا نغفله، ولا يتناوله الإعلام الذي يبحث عن عدد المشاهدات وحسب، وهو مفهوم العطاء الذي يجب أن تنبني عليه الأُسر فيما بين الزوج وزوجته، فأي عمل يقوم به الزوج أو الزوجة يجب أن يغلفه مفهوم العطاء اللامحدود حتى لو كانت الاتفاقات قد أُبرِمت بين الزوجين قبل الزواج، إذ أن العطاء الغير محسوب تكون نتيجته عالية ودائمة وباقية، ذلك لأن مردوده يكون من عند رب العباد، حتى لو أنكره أحد طرفي الزواج يومًا ما.