لا أتجرأ بالتعدي على العلماء، فهم الذين قضَوا حياتهم في التعلم وتحصيل العلوم سواءا الشرعية منها أو العلمية بأنواعها،
ولا أسمح لنفسي أن اخوض مع من يخوض في نقدهم والنيل منهم والتجريح فيهم والإساءة.
ولقد لاحظت دومًا وجود مَن يتجرأون على ذلك بكثرة، فهم يعتبرون أن التعدي على العلماء قدرة عالية ومقدرة فائقة، يحصدون بها لفت أنظار العوام من الناس، الذين يتناقلون الإساءات عن العلماء، ويذكرون من يسيء إليهم بأنه جسور ومقدام بل وأن لديه من صفات الشجاعة كثير.
وأذكر إمامنا شيخ الأزهر الراحل أ.د سيد طنطاوي رحمة الله عليه، وهو العالم الذي وصل بمعارفه العلمية الدينية إلى أعلى مكانة، كإمام أكبر للمسلمين، أنه لم يسلم من هذا التعدي والتجريح، والتجرؤ على شخصه وعلمه، ومن بعض المحسوبين على الإسلام ممن لم يُحصّلوا جزءا مما لديه من علمٍ رحمه الله،
وكنت ألحظ العوام من الناس يتّبعون ذلك التعدي للأسف بانبهار وإكبار.
وعلى مر السنين أجد هذا التجرؤ الذي يتمادى فيه البعض على العلماء، دون خشية أو تروي ودون علمٍ أو دليل،
والعالم ليس معصومًا وليس فوق المراجعة، بل هو نفسه يجب أن يكون رجّاعا للحق محاسبًا نفسه في فتاواه، وهذا لا جدال فيه، إذ لا معصوم من الخطأ إلا الأنبياء.
لكن الواجب حين نعتقد بخطأ العالم، أن نرد الأمر المشكوك فيه من فتاواه إلى هيئة كبار علماء أو مجمع بحوث أو مجامع فقهية، وهناك يدور النقاش والبحث الشرعي بين الأنداد علميا، لنصل في نهاية النقاشات والمراجعات إلى التصويب أو الإقرار بصحة الفتوى.
وليس من المعقول أو المنطقي، أن أكون أنا -مثلًا- قد تخصصت في علوم مهنتي وقضيت عمري أنهل من علومها وأتزود من خبراتها، ثم يأتي من لم يتعلم عنها إلا قليل، ويسيء لي ويتعدى لمجرد أنه "يرى" شيئًا يعتبره لا يوافق رأيه أو توجهاته، فضلًا عن أن أسلوب النقد والإعتراض يحتاج لصياغات تحترم المخالف ولا تسيء له ولا تستهزيء.
ولا ننسى أن باب الاختلاف بين آراء العلماء أمرٌ مشروع ومعتبر، ويمكن أن يكون في المسألة الواحدة رأيين مختلفين ومتضادين وكليهما صحيح.
إن الذي أتابعه اليوم عن برنامج "نور الدين" للعالم الجليل مفتي الديار الأسبق لهو نموذج محزن على ما أذكره، وأنصح نفسي وكل من يقرأ لي، بأن يتروّى عند الحديث عن العلماء، لأن لديهم من العلوم وتفاصيلها وتنوعها، ما ليس لدينا مما لم نحصل عليه اصلًا، ومما لا يعطينا أي حق في الخوض فيهم بهذا الشكل الفظ المسيء.