طقوس رمضانية ذات ميراث تاريخي (فانوس رمضان _ المسحراتي) "حيثما ذُكر اسم الله في بلدٍ عددته من لبُ أوطاني" (١) قصة فانوس رمضان: بحلول شهر رمضان المعظم نلاحظ إنتشار الفوانيس والزينات الرمضانية التي تزين شرفات المنازل والشوارع والمحلات والميادين معلنة إستقبال ضيف كريم ألا هو شهر رمضان، لكن ما قصة الفانوس وإرتباطه بهذا الشهر الكريم، وكيف بدأت القصة؟؟ يرجع ظهور الفانوس للمرة الأولي في مصر إلى أيام الفاطميين وبالتحديد مع وصول المعز لدين الله الفاطمي إلى مصر حيث وصل من المغرب في الخامس من رمضان عام 358 هجري، ولأن المعز لدين الله وصل مصر ليلًا أمر قائده جوهر الصقلي المصريين بالخروج لاستقباله فخرج الأهالي حاملين الفوانيس التي ارتبطت برمضان منذ ذلك الحين. استمر ارتباط الفوانيس برمضان خلال العصر المملوكي، ففي هذا العصر كان الناس يجتمعون بعد عصر يوم التاسع والعشرين من شهر شعبان في بيت القاضي ثم يتوجه الجميع إلى منطقة مرتفعة على أطراف المدينة لاستطلاع الهلال، فلو صحت الرؤية يعود الناس إلي القاهرة في أعقاب صلاة المغرب حاملين الفوانيس المضاءة. وكان الأطفال أيضًا يستغلون فانوس رمضان للحصول على النقود والهدايا من المتاجر والبيوت احتفالًا بقدوم رمضان. ويقال إن الحاكم بأمر الله الفاطمي أصدر مرسومًا بألا تخرج النساء ليلًا في مصر إلا إذا تقدمهن صبي يحمل فانوسًا. وفي سنوات لاحقة لحكمه كان يتم تعليق فوانيس مضاءة على أبواب البيوت ومآذن المساجد من المغرب وحتى طلوع الفجر. استمر وجود الفانوس كأحد أهم معالم شهر رمضان خلال العصور التالية، وأشهر أنواع الفوانيس هي المركب والترام والمرجيحة وأبو سبله وعبدالعزيز، وكانت تلك الفوانيس تصنع من الصفيح وقطع الزجاج الصغيرة، وعلاوة على فوانيس الأطفال انتشرت في مدن مصر خلال القرن الماضي فوانيس الحارات الكبيرة التي يقوم السكان بتركيبها في منتصف الحارة أو الشارع وكانت تصنع من الخشب والورق الزجاج. ليست صناعة الفوانيس صناعة موسمية، ولكنها مستمرة طوال العام حيث يتفنن صناعها في ابتكار أشكال ونماذج مختلفة، وتخزينها ليتم عرضها للبيع في رمضان الذي يعد موسم رواج هذه الصناعة.وتعد مدينة القاهرة المصرية من أهم المدن الإسلامية التي تزدهر فيها هذه الصناعة.وهناك مناطق معينة مثل منطقة تحت الربع القريبة من حي الأزهر.. والغورية.. ومنطقة بركة الفيل بالسيدة زينب من أهم المناطق التي تخصصت في صناعة الفوانيس. وفي جولة في منطقة تحت الربع تجد أشهـر ورش الصناعة وكذلك أشهر العائلات التي تتوارثها جيلا ًبعد جيل. وتعتبر الفوانيس المصرية عمرها طويل، وقد شهدت هذه الصناعة تطوراً كبيراً في الآونة الأخيرة، فبعد أن كان الفانوس عبارة عن علبة من الصفيح توضع بداخلها شمعة، تم تركيب الزجاج مع الصفيح مع عمل بعض الفتحات التي تجعل الشمعة تستمر في الاشتعال. ثم بدأت مرحلة أخرى تم فيها تشكيل الصفيح وتلوين الزجاج ووضع بعض النقوش والأشكال.وكان ذلك يتم يدوياً وتستخدم فيه المخلفات الزجاجية والمعدنية، وكان الأمر يحتاج إلى مهارة خاصة ويستغرق وقتا طويلا. والفانوس كان رمزًا قوميًا في مصر فكان حكام البلاد مع بداية شهر رمضان يقومون بإرسال فانوس فخم إلى السلطان العثماني الذي كانت مصر تتبعه حتى منتصف العقد الثاني من القرن الماضي. انتقلت فكرة الفانوس المصري إلى أغلب الدول العربية وأصبح جزء من تقاليد شهر رمضان لاسيما في دمشق وحلب والقدس وغزة وغيرها ________________________________________٢)) قصة مدفع رمضان: تطُلعنا صفحات التاريخأنه – في شهر رمضان - كانوا أيام الرسول صلى الله عليه وسلم يأكلون ويشربون من الغروب حتى وقت النوم، وعندما بدأ استخدام الأذان اشتهر بلال وابن أم مكتوم بأدائه. وقد حاول المسلمون على مدى التاريخ – ومع زيادة الرقعة المكانية وانتشار الإسلام – أن يبتكروا الوسائل المختلفة إلى جانب الآذان للإشارة إلى موعد الإفطار، إلى أن ظهر مدفع الإفطار إلى الوجود. كانت القاهرة عاصمة مصر أول مدينة ينطلق فيها مدفع رمضان. فعند غروب أول يوم من رمضان عام 865 هـ أراد السلطان المملوكيخشقدم أن يجرب مدفعًا جديدًا وصل إليه. وقد صادف إطلاق المدفع وقت المغرب بالضبط، ظن الناس أن السلطان تعمد إطلاق المدفع لتنبيه الصائمين إلى أن موعد الإفطار قد حان، فخرجت جموع الأهالي إلى مقر الحكم تشكر السلطان على هذه البدعة الحسنة التي استحدثها، وعندما رأى السلطان سرورهم قرر المضي في إطلاق المدفع كل يوم إيذانًا بالإفطار ثم أضاف بعد ذلك مدفعي السحور والإمساك. وهناك رواية تفيد بأن ظهور المدفع جاء عن طريق الصدفة، فلم تكن هناك نية مبيتة لاستخدامه لهذا الغرض على الإطلاق، حيث كان بعض الجنود في عهد الخديوي إسماعيل يقومون بتنظيف أحد المدافع، فانطلقت منه قذيفة دوت في سماء القاهرة، وتصادف أن كان ذلك وقت أذان المغرب في أحد أيام رمضان، فظن الناس أن الحكومة اتبعت تقليدًا جديدًا للإعلان عن موعد الإفطار، وصاروا يتحدثون بذلك، وقد علمت الحاجة فاطمة ابنة الخديوي إسماعيل بما حدث، فأعجبتها الفكرة، وأصدرت فرمانًا يفيد باستخدام هذا المدفع عند الإفطار والإمساك وفي الأعياد الرسمية. من مصر إلى العالم الإسلامي بدأت الفكرة تنتشر في أقطار الشام أولا، القدس ودمشق ومدن الشام الأخرى ثم إلى بغداد في أواخر القرن التاسع عشر، ثم انتقل إلى كافة أقطار الخليج قبل بزوغ عصر النفط وكذلك اليمن والسودان وحتى دول غرب أفريقيا مثل تشاد والنيجر ومالي ودول شرق آسيا حيث بدأ مدفع الإفطار عمله في إندونسيا سنة 1944. وتأسيساً على ماسبق يتضح لنا جلياً الأصل التاريخي الضارب في أعماق التاريخ للفانوس ومدفع رمضان، وكيف وصلت حضارة الإسلام الغراء لهذا الرقي في الإبتكار والحضارة والتمدن، وكيف إستطاع أجدادنا المسلمون سن هذه السُنن الحسنة لأستقبال الضيف الكريم(شهر رمضان المبارك) والتي لاتزال باقية إلى يومنا هذا، تقوم كشاهد صدق على عراقة حضارتنا الإسلامية الغراء. ودائما وأبداً سنحيا بالأمل في الله....... سنحيا بالعلم ...... سنحيا بالكفاح...... سنحيا بالتسامح....... سنحيا بالإبتسامة الجميلة بقلم الكاتب/أ:أحمد الجمال باحث في التاريخ الحديث والمعاصر كاتب بعدة جرائد مصرية وعربية مقدم التاريخ بالإذاعة المصرية