من خبايا التاريخ.... إطلالة على تاريخ السجائر في مصر "ليست رجما بالغيب ولا تكناً، بل إنها قراءة إستراتيجية واعية للتاريخ؛ فمن يقرأ التاريخ بدقة وحكمة ويسبح فوق أمواجه العاتية ويغامر في غاباته الشائكة الوعرة... يستطيع بالضرورة أن يتنبأ بالمستقبل" التدخين آفة المدخنين، رجالا ونساء يُهدر الكثير من المال والصحة ويُسبب الكثير من أمراض القلب والصدر وضيق التنفس والرئتين، وإيمانا منا بخطورة التدخين على الفرد والمجتمع وبالدور الإجتماعي لعلم التاريخ، والباحثين التاريخيين وتأكيدا على أن المؤرخ إنسان لاينفصل عن وطنه ومجتمعه؛ قررنا تقليب صفحات التاريخ للبحث ومعرفة بداية قصة التدخين من أين وكيف بدأت، فهيا بنا عزيزي القارئ النهم الشغوف بكل جديد في التاريخ، هيا معا أنا وأنت نُقلب الصفحات التاريخية لنقف على بداية القصة...... دخل نبات التبغ مصر أول مرة سنة 1601 وكانت أوراق النبات تستعمل عن طريق المضغ قبل اختراع السجائر. ذكر الجبرتي عن التدخين فقال (أن الوالي العثماني أصدر أوامر بمنع شرب الدخان في الشوارع وعلى الدكاكين وأبواب البيوت، وشدد في النكال بمن يفعل ذلك ووصل الأمر لحد الإعدام، فلقد اعتبرها الناس عادة بذيئة قبيحة). و في سنة 1799 أثناء الحملة الفرنسية على مصر بدأ سكان الفيوم زراعة التبغ بدلاً من استيراده بعد انتشار استعماله بشكل واسع بين المصريين، وفي سنة 1810 احتكر محمد علي باشا زراعة التبغ في مصر وكان في الأصل يتاجر فيه. وفي سنة 1840 كان الفرنسيين أول من اخترعوا السجائر عندما قاموا بلف التبغ داخل ورق رقيق، فانتشرت عادة شرب السجائر في أوروبا وانتقلت منها إلى مصر. في سنة 1880 أدى تحسن نوعية ورق السجائر والميكنة لانخفاض سعرها، وانتشرت ماركات كثيرة منها في الأسواق. وفى مصر بعد ثورة 1919 أنتجت شركة سجائر محمود فهمي سجائر تحمل اسم «بيت الأمة 1919»، وكان له إعلانا طريفا كان شعاره فيه «السجائر التي يحبها الرياضيون» ونشر في مجلة «الألعاب الرياضية». وأنتجت شركة الاتحاد سجائر أم الدنيا للعمال، وسجائر عباس حليم ويكن باشا وهي للعظماء، وأنتجت شركة البستاني ماركات عديدة أهمها كان «نبيل»، وأنتجت شركة عبد الرحمن فهمي سجائر «الأمراء». أسس الأرمن 20 مصنعا للسجائر في مصر منها 16 مصنعا في القاهرة واثنان بالإسكندرية ومصنع واحد بمدينة المنصورة وآخر بمدينة الزقازيق، وأقدمها مصنع سركسيان الذي أسسه كريكو سركسيان بشبرا، أما أشهرهم فهي الماتوسيان. كانت محلات «كارفيليس» بشارع عبد العزيز وشارع طلعت حرب تبيع كل أنواع الأدخنة ومستلزمات التدخين من سجائر وسيجار وغليون. وفي سنة 1840 كان الفرنسيين أول من اخترعوا السجائر عندما قاموا بلف التبغ داخل ورق رقيق، فانتشرت عادة شرب السجائر في أوروبا وانتقلت منها إلى مصر. في سنة 1880 أدى تحسن نوعية ورق السجائر والميكنة لانخفاض سعرها، وانتشرت ماركات كثيرة منها في الأسواق. من محمد علي تاجر الدُخان إلى جمال عبد الناصر» محمد علي باشا فتى يتيم، ألباني الأصل، وُلد في مدينة «قولة» المقدونية، رباه عمه ليكبر ويعمل في جباية الأموال قبل أن يصبح تاجراً للدخان. هذا اليتيم وتاجر الدُخان، أصبح محمد علي باشا، والي مصر، ومؤسس الأسرة العلوية، ومؤسس مصر الحديثة، لكن جودة التبغ المصري لم تخْفَ عن عين تاجر الدخان المحنك، لذا احتكر الصناعة في أوائل القرن الـ 19، وانتشرت زراعة التبغ في أنحاء البلاد وذاع حينها صيت التبغ المصري عالميا، وازدهرت صناعة السجائر في مصر. نبُبذة عن أشهر مصانع الدخان في مصر وتاريخ نشأتها: ١)مصنع سركسيان للدخان والسجائر: أسسه كريكور سركسيان في شارع شبرا بالقاهرة عام 1867 وأنتج ماركة «أبو فانوس»، ثم آلت هذه الفابريقة إلى ابنه كيفورك، فأولاده اللذين انتجوا ماركات «معدن، ولوكس، وإكرام، وباشا». ٢)معمل الدخان الشرقي والسجاير الشرقية المصرية: في عام 1882 أسس الأخوان كريكور وجرابيد «محل ك.ق ملكونيان بمصر، معمل الدخان والسجاير الشرقية بالتوفيقية»، ثم تغير اسمه بعد ثورة 1919 إلى «معمل الدخان الشرقي والسجاير الشرقية المصرية». كما افتتح فروعا تجارية في ميدان العتبة الخضراء ووجه البركة وميدان باب الحديد (رمسيس) وعابدين بالقاهرة، وفي شارع شامبليون ووكالة مونفراتو بالإسكندرية، وقد صنع ملكونيان الأصناف الآتية: «معدن - فلور معدن - فلور معدن مني - سوبر معدن منشي - ياكا - ياكا منشي - سمسون». وتحتل صناعة التبغ والأدخنة في مصر المركز الرابع في الصناعات التي عمل بها الأرمن في مصر. ٤)نستور جياناكليز Nestor Gianaclis:وصل اليوناني نستور جياناكليز إلى القاهرة في 1864، وفي عام 1871 افتتح مصنعه الذي اتخذ من قصر خيري باشا بالقاهرة مقرًا له، وبعد الاحتلال البريطاني لمصر، طوّر الإنجليز مذاق سجائر جياناكليز، والتي أخذت في الانتشار بأوروبا، وتم تصديرها إلى المملكة المتحدة خصيصًا. ٥) واسْب وكوتاريللي: في فترة الخمسينيات والستينيات انتشرت سجائر “كوتاريللي”، التي كانت تنتجها شركة «أطلس»، وسجائر «واسْب» الفرجينية لشركة «وتكس»، وغمرت الشركتان إعلاناتهما بالفنانين، فظهر على إعلانات «واسْب» فاتن حمامة، وأنور وجدي وزوجته ليلى مراد، كما احتلت فاتن حمامة أيضًا إعلانات «أطلس» مع زوجها عز الدين ذو الفقار، وشاركتها بها الفنانة هدى سلطان. وبعد تأميمها في ستينيات القرن الماضي، كوتاريللي تحولت إلى شركة النصر للدخان التي أنتجت «فلوريدا» و «نفرتيتي» ثم اندمجت هي أيضا في الشركة الشرقية. ٦) ماتوسيان Matossian: شركة التبغ الكبرى التي تأسست في نهاية القرن الـ 19، على يد الإخوة «ماتوسيان» الأرمن، بدأت مؤسسة ماتوسيان بورشة أسسها هوفهانيس في شارع فرنسا بالإسكندرية عام 1882، ثم أسس شقيقه جرابيد ورشة أخرى في العتبة الخضراء بالقاهرة عام 1886. ضمت 70 ألف عامل وغطى إنتاجها مصر والسودان ووصل إلى عاصمة إثيوبيا أديس أبابا، ومدن أخرى. عندما آلت إدارة مؤسسة ماتوسيان في أوائل عام 1920 إلى جوزيف بن هوفانيس ماتوسيان الذي لقبته الصحافة المصرية ب«ماتوسيان الذي لقبته الصحافة المصرية ب«ماتوسيان الصغير»، أراد الولد ان يجعل للشباب ميزة على الشيخوخة وفكر في مزاحمة شركات الدخان الكثيرة التي تأسست وقتذاك في مصر، اتخذ ماتوسيان الصغير الكوبونات سلاحا للمنافسة، فوضع في كل علبة سجائر كوبوناً ينتفع به المدخنون في شراء بعض الأشياء من محل موروم أو دخول سينما ماتوسيان الخصوصية، أو بعض التياترات والجوقات التمثيلية الأخرى. بعد الثورة وقرار التأميم لعبد الناصر، كان أمام الأجانب في مصر خياران: إما التأقلم مع الوضع الجديد، أو الرحيل، وكان جوزيف ماتوسيان من هؤلاء. وفي معرض للسجائر عام 1961 قابل «ماتوسيان» الرئيس عبد الناصر، والذي كان مُدخن شرِه لسجائر«كينت»، وقال لـ«ماتوسيان»، أنه لو أنتج سجائر مثل تلك التي يشربها من «كينت»، فإنه سيكون من عملائه، وكان رد «ماتوسيان»: Mr. President, your wishes are our orders، أي «طلباتك أوامر»، ليكون ذلك السبب ما جعل «ماتوسيان» ينتج ما يُعرف حاليًا بالسجائر الأرخص والأكثر انتشارًا في مصر «سجائر كليوباتر» ٨) شركة مصر للدخان والسجائر: هي شركة تتبع بنك مصر وكانت تنتج سجائر ملك.[ ٩) شركة النصر للدخان والسجائر: هي شركة حكومية مصرية ظهرت في ستينات القرن الماضي بعد تأميم شركة كوتاريللي، وكانت تنتج سجائر نفرتيتي وفلوريدا بكل أنواعها ثم اندمجت في الشركة الشرقية. ٩)الشركة الشرقية للدخان: الشركة التي تأسست في 12 يوليو 1920 بمرسوم من السلطان أحمد فؤاد، وكان رأس مالها في ذلك الوقت 25 ألف جنيه، كان الغرض منها محاربة الإنتاج الأجنبي للسجائر، وبصعود ونجاح الشركة الشابة استسلمت لها شركات السجائر الأرمينية في مصر للدخان، اندمجت بداية شركة دخان ماتوسيان المساهمة مع الشركة الشرقية وبذلت الأخيرة كل وسيلة لاحتواء صناعة الدخان المصرية حتى استسلمت لها عام 1927 مؤسسات: ميلكونيان وجامسراجان وإيبيكيان من الأرمن، وصوصة وماخريديس وباباثوليوجو من اليونانيين، فضلا عن مؤسستي ماسبيرو الإنجليزية وشركة الدخان الإنجليزية الأمريكية، فقد دفعت الشركة لكل مؤسسة قيمة أصولها الثابتة والمنقولة، وحافظت على اسم المؤسسة والماركات التي تنتجها، وعينت صاحب المؤسسة في وظيفة مدير «مدى الحياة»، واشترطت الشركة عليهم ألا يمارسوا أية نشاطات بطريقة مباشرة أو غير مباشرة تتعلق بالدخان تصنيعا وبيعا، ليس في مصر فقط إنما في السودان وفلسطين وسوريا أيضا لمدة خمس سنوات، وجدير بالذكر ان بعض الأرمن قد أسسوا عدة مصانع صغيرة بين عامي 1927-1930 لمنافسة سوق الشركة الشرقية، وبعد التأمين اندمجت “ماتوسيان” صاحبة سجائر “كليوباترا” تحت لواء “الشرقية للدخان”، لتصبح حينها الشركة الرائدة للسجائر في مصر، وهي تُنتج حاليًا 13 نوعًا من السجائر، أشهرها «كليوباترا»، «كليوباترا بوكس»، «سوبر ستار». لكن عندها حق تصنيع مع العملاق العالمي فيليب موريس لتصنيع ماركات مثل مارلبورو وكينت وغيرها من الماركات المشهورة لفليب موريس.(*) ________________
(*) للتفاصيل عن مصادر الدراسة:
١)هيام صابر:الدخان والمجتمع المصري في النصف الثاني من القرن التاسع عشر١٨٤٨-١٩١٤(سلسلة تاريخ المصريين)، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة٢٠١٨
٢)https://web.archive.org/web/20171019102502/https://books.google.com/books?id=qs_YlWuFjooC
٣) Politis، Athanase (1929). L'Hellénisme et l'Egypte moderne. Librairie Félix Alcan. ص. 572. 3) Brier، Bob (2013). Egyptomania: Our Three Thousand Year Obsession with the Land of the Pharaohs. Palgrave Macmillan. ISBN 978-1-137-27860-9.