إنتصارات المسلمين في رمضان
"من وعي التاريخ في صدره فقد أضاف أعماراً إلى عمره"
(١) غزوة بدر الكبرى كان شهر رمضان الإنتصارات عند المسلمين، مع أنّه شهر صيام عن الطعام والشراب، إلّا أنّ ذلك لم يكن مدعاة لتكاسل المسلمين عن الحرب والإنتصارات؛ لكنه بالعكس كان دافعاً لشنّ الغزوات، إيماناً منهم بأنّ الموت فيه في سبيل الله يثاب عليه المجاهد أضعافاً عند الله، ولذا فقد وقعت في هذا الشهر كبرى الغزوات التي انتصر فيها المسلمون على أعدائهم في العصور الوسطى وتحديدا _ العصر الإسلامي_ وحتى العصر الحديث، ومن خلال هذه السلسلة من المقالات البحثية سوف نتعرف على إنتصارات ومعارك المسلمين في رمضان والتي سنبدأها بغزوة بدر الكبرى فهيا بنا عزيزي القارئ الحبيب النهم لمعرفة تاريخ أمتنا المجيد لندع التاريخ يتكلم ويَقُص ويروي تاريخ رجالا صدقوا ماعهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من يننتظر ومابدلوا تبديلا. غزوة بدر الكبرى أول معركة من معارك الإسلام الفاصلة سبب الغزوة: أن عيرا من قريش أفلتت من النبيﷺ في ذهابها من مكة إلى الشام، فلما قرب رجوعها من الشام إلى مكة بعث رسول الله ﷺ طلحة بن عبيد الله وسعيد بن زيد إلى الشمال ليقوما باكتشاف خبرها، فوصلا إلى الحوراء، ومكثا حتى مر بهما أبو سفيان بالعير ، فأسرعا إلى المدينة وأخبرا رسول الله ﷺ الخبر . وكانت العير تحمل ثروات طائلة لكبار أهل مكة ورؤسائها: ألف بعير موقرة بالأموال لا تقل عن خمسين ألف دينار ذهبي، ولم يكن معها من الحرس إلا نحو أربعين رجلا. إنها فرصة ذهبية للمسلمين ليصيبوا أهل مكة بضربة أقتصادية قاصمة، تتألم لهم قلوبهم على مر العصور، لذلك أعلن رسول الله ﷺ في المسلمين قائلاً:(( هذه عير قريش فيها أموالكم، فأخرجوا إليها لعل الله ينفلكموها)). ولم يعزم على أحد بالخروج، بل ترك الأمر للرغبة المطلقة، لأنه ﷺ لم يكن يتوقع أنه سيصطدم بجيش مكة _ بدل العير _ هذا الاصطدام العنيف في بدر؛ ولذلك تخلف كثير من الصحابة في المدينة، وهم يحسبون أن مضي رسول الله ﷺ في هذا الوجه لن يعدوا ما ألفوه في السىرايا والغزوات الماضية؛ ولذلك لم ينكر على أحد تخلفه في هذه الغزوات. موقع بدر: تقع بدر جنوب غرب المدينة المنورة، والمسافة بينها وبين المدينة بطرق القوافل القديمة التي سلكها الرسول حوالي 257,5 كيلومتراً (160 ميلاً)، كما أنها تقع شمالي مكة، والمسافة بينها وبين مكة بطرق القوافل القديمة التي سلكها جيش قريش حوالي 402,3 كيلومتراً (250 ميلاً). أما المسافة اليوم بين مكة وبدر بطرق السيارات فهي 343 كيلومتراً، والمسافة بين المدينة وبدر بهذا الطريق هي 153 كيلومتراً، وأما المسافة بين بدر وساحل البحر الأحمر الواقع غربيها فهي حوالي ثلاثين كيلومتراً. خروج المسلمين من المدينة المنورة خرج الرسول محمدٌ والمسلمون من المدينة المنورة في اليوم الثاني عشر من شهر رمضان في السنة الثانية للهجرة، وعندما خرج المسلمون إلى بدر كلّف الرسولُ عبدَ الله بنَ أم مكتوم بالصلاة بالناس في المدينة المنورة، ثم أعاد أبا لبابة الأنصاري من منطقة تسمى الروحاء إلى المدينة وعيَّنه أميرًا عليها. وأرسل الرسول اثنين من أصحابه إلى بدر، وهما عدي بن الزغباء الجهني وبسبس بن عمرو الجهنيطليعةً للتعرف على أخبار القافلة، فرجعا إليه بخبرها. وقد كان عددُ الصحابة الذين رافقوا الرسول محمداً في غزوته هذه إلى بدر بضعةَ عشر وثلاثمئة رجل،وقيل بأنهم ثلاثمئة وتسعة عشرة رجلاً وقيل أن عدد الصحابة البدريين ثلاثمئة وأربعون صحابياً، وقيل هم ثلاثمئة وثلاثة عشر أو أربعة عشر أو سبعة عشر، واحد وستون منهم من الأوس، ومئة وسبعون من الخزرج، والباقي من المهاجرين.وكانت قوات المسلمين في غزوة بدر لا تمثل القدرة العسكرية القصوى للدولة الإسلامية، ذلك أنهم إنما خرجوا لاعتراض قافلة واحتوائها، ولم يكونوا يعلمون أنهم سوف يواجهون قوات قريش وأحلافها مجتمعة للحرب. فلم يكن معهم إلا فَرَسان، فرس للزبير بن العوام، وفرس للمقداد بن الأسود الكندي، وكان معهم سبعون بعيراً، ونظراً لقلة عدد البعير مقارنة بعدد المسلمين، فإن المسلمين كانوا يتناوبون ركوب البعير، قال ابن مسعود: كنا يوم بدر كل ثلاثة على بعير، كان أبو لبابة وعلي بن أبي طالب زميلَي رسول الله ﷺ، وكانت عقبة رسول الله، فقالا: «نحن نمشي عنك»، فقال: «ما أنتما بأقوى مني، ولا أنا بأغنى عن الأجر منكما». وقد كتم النبي خبر الجهة التي يقصدها عندما أراد الخروج إلى بدر، حيث قال: «إن لنا طلبةً فمن كان ظهره حاضرًا فليركب معنا».وبعد خروج المسلمين من المدينة في طريقهم إلى ملاقاة عير أبي سفيان، وصلوا إلى منطقة تُسمى «بيوت السقيا» خارج المدينة، فعسكر فيها المسلمون، واستعرض الرسول محمدٌ من خرج معه فَرَدَّ من ليس له قدرة على المضي والقتال من جيش المسلمين، ومنهم البراء بن عازب، وعبد الله بن عمر لصغرهما، وكانا قد خرجا مع جيش المسلمين راغبين وعازمين على الاشتراك في الجهاد. ودفع الرسولُ محمدٌ لواءَ القيادة العامة إلى مصعب بن عمير العبدري القرشي، وكان هذا اللواء أبيض اللون، وقسم جيشه إلى كتيبتين: كتيبة المهاجرين، وأعطى علمها علي بن أبي طالب، وكتيبة الأنصار، وأعطى علمها سعداً بن معاذ، وجعل على قيادة الميمنة الزبير بن العوام، وعلى الميسرة المقداد بن عمرو -وكانا هما الفارسين الوحيدين في الجيش- وجعل على الساقة قيس بن أبي صعصعة، وظلت القيادة العامة في يده هو. وفي أثناء سير الرسول محمدٍ وصحبه، التحق أحد المشركين راغبًا بالقتال مع قومه، فردّه الرسول وقال: «ارجع فلن أستعين بمشرك»، وكرّر الرجل المحاولة فرفض الرسولُ حتى أسلم الرجل والتحق بالمسلمين. خروج قريش من مكة بلغ أبا سفيانَ خبرُ مسير الرسول محمدٍ بأصحابه من المدينة المنورة بقصد اعتراض قافلته واحتوائها، فبادر إلى تحويل مسارها إلى طريق الساحل، كما أرسل ضمضم بن عمرو الغفاري الكناني إلى قريش ليستنفرهم لإنقاذ أموالهم وليخبرهم أن النبي محمداً عرض لها في أصحابه، فقد كان أبو سفيان يتلقط أخبار المسلمين ويسأل عن تحركاتهم، بل يتحسس أخبارهم بنفسه.
__________________________
المصادر:
(١) صفي الرحمن المبار كافوري: الرحيق المختوم _ بحث في السيرة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة والسلام_ ، دار الوفاء للطباعة والنشر، القاهرة، ٢٠١٠٢ (٢) معجم اللغة العربية المعاصرة، أحمد مختار عبد الحميد عمر بمساعدة فريق عمل، عالم الكتب، الطبعة الأولى، 1429هـ-2008م ٣) جوامع السيرة: علي بن حزم الأندلسي، تحقيق الدكتور إحسان عباس والدكتور ناصر الدين الأسد، دار إحياء السنة، طبعة سنة 1368 هـ، باكستان. ٤) السيرة النبوية، أبو محمد عبد الملك بن هشام، دار الفكر، بدون تاريخ، ج٢، بسند صحيح إلى ابن عباس ٥) السيرة النبوية - عرض وقائع وتحليل أحداث، علي محمد الصلابي، الناشر: دار المعرفة للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت - لبنان، الطبعة السابعة، 1429هـ-2008م ٦) البداية والنهاية، أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير الدمشقي، دار الريان للتراث، ج٤. المستدرك على الصحيحين، محمد الحاكم النيسابوري، ج3. الطبقات لابن سعد (2/ 24) ٧) كتاب الطبقات الكبير، محمد بن سعد بن منيع البصري الزهري، ج2 ، بإسناد صحيح ٨) صحيح مسلم، مسلم بن الحجاج، تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي، دار إحياء التراث العربي، بيروت - لبنان، الطبعة الثانية، 1972م، كتاب الإمارة ج٣ (٩) السيرة النبوية، أبو شهبة، ج2 (١٠) السيرة النبوية الصحيحة، أكرم ضياء العمري، ج2 (١١) موسوعة نضرة النعيم في أخلاق الرسول الكريم ﷺ، فريق كبير من المتخصصين بإشراف: صالح بن حميد وعبد الرحمن بن ملوح، ج1 . (١٢ السيرة النبوية، ابن هشام، ج2. (١٣) غزوة بدر الكبرى لأبي فارس.