فبيت القلق... ضيق، جدرانه تقترب منك كلما فكّرت، سقفه منخفض لا يسمح لك بالوقوف، ونوافذه تُطل على ألف "ماذا لو؟". كل ضوءٍ فيه يرتجف، وكل ظل يُشبه احتمالًا مخيفًا.
وبيت الاكتئاب... مهجور، ستائره الثقيلة تمنع الشمس من الدخول، رائحة العفن تعبق بالمكان، لا أصوات سوى صوت أنفاسك المتقطعة، ولا مرآة تعكس من أنت، كأنك شبح سكن هذا الجدار ثم نسي نفسه.
وبيت الوسواس القهري... مرتب بدقة مخيفة، كل شيء في مكانه... لا، يجب أن يكون في مكانه بالملِّيمتر! تعيش فيه معتذرًا من الهواء، تتحرك فيه وكأنك لغم في أرض زجاجية.
أما بيت اضطراب الهوية... فهو متاهة، كل باب خلفه وجه، وكل غرفة تسكنها شخصية، والمقيم فيها يتنقل بين الأقنعة دون أن يعرف أيّهم يشبهه، أو من هو في الأصل.
وبيت الاضطراب ثنائي القطب... يرقص أحيانًا تحت شموس ملونة، ويغرق أحيانًا أخرى في عواصف بلا إنذار. جدرانه إما تناديك للرقص، أو تطردك للصمت. لا استقرار، فقط موجات.
بيت الفوبيا... محاصر بلافتات التحذير، صوت الخطر أعلى من الحقيقة، الباب مغلق بألف قفل، والنوافذ تراقب كل ما لا يحدث... وكأن كل العالم فخّ ينتظر أن يُطبق على قلبك.
وبيت الصدمة... أنيق من الخارج، لكن تحت أرضه ألغام، وفي جدرانه صرخات مكتومة. كل زاوية فيه تذكّرك بما هربت منه. تسكنه، لكنه لا يأويك.
أما بيت النرجسية... فهو قصر مذهّب، المرايا فيه لا تعكس سوى وجهٍ واحد. لا نوافذ تطل على الآخر، ولا مقاعد إلا للذات. كل من يدخل يصبح ظلًا، وكل الأحاديث تنتهي بـ"أنا".
لكن ثمّة بيت مختلف...
بيت الشفاء.
ليس فخمًا، لكنه دافئ. نوافذه مفتوحة، والشمس تدخل دون استئذان. في زواياه نباتات صغيرة، تنمو ببطء، لكنها تنمو.
الجدران لا تهمس بالخوف، بل بالطمأنينة.
فيه مرايا صادقة لا تُكسر، تبكيك حينًا وتربّت على كتفك حينًا آخر.
كل غرفة فيه تفتح على ذاتك، لا لتخيفك، بل لتحتويك.
في هذا البيت، لا شيء كامل، لكن كل شيء حقيقي.
تجلس فيه ، تنظر إلى نفسها لأول مرة دون خوف، وتقول:
"أنا هنا... ولم أعد أهرب."