لا تموت الفراشات يا صديقي،
إنها فقط تُصاب بالدهشة.
تستيقظ ذات خيبةٍ لتجد أن الألوان هجرتها،
وأن الضوء الذي كان يُغازلها صار يؤذيها،
فتنكمش في زاويةٍ على الحائط،
تُغمض عينيها لا خوفًا من الظلمة،
بل لأن النور صار يحمل ملامح من أطفأها.
هناك، في العزلة الرمادية،
تتعلم كيف تصمت،
كيف تُنصت إلى نبضٍ كان يومًا يغني ثم اختنق،
كيف يُمكن للألم أن يكون معلمًا أكثر صدقًا من الحُب.
الفراشة لم تفقد ألوانها صدفة،
بل نزفَتها من فرط الخذلان.
كلُّ لونٍ كان وعدًا لم يُوفَ به،
وكلُّ ومضةٍ في جناحها كانت ذكرى يدٍ صفعتها وهي تظنها تُدللها.
كان يمكنها أن تموت،
لكنها اختارت أن تصير رمادًا نبيلًا.
تغمس جراحها في الضوء وتعيد رسم نفسها،
توشم أجنحتها بألوانٍ من وجعٍ راقٍ،
بأحبارٍ خلطتها من دمعٍ وصبرٍ وحكمة.
الوشم مؤلم، لكنه يجعلها حقيقية.
فمن لم يتلوَّن بألمه، ظلَّ شاحبًا مهما تلون بالفرح.
وحين تفرد أجنحتها من جديد،
لا تطير بخفةٍ كالسابقات،
بل بثقلِ من يعرف أن كلَّ رفّةٍ ثمنها عمر.
لم تعد تبحث عن زهرةٍ تسكرها،
ولا عن ضوءٍ يُغازلها.
صارت تطير لأجل نفسها فقط،
لأنها أدركت أن الحرية ليست جناحين، بل وعيًا بمن لا يستحق الطيران إلى جوارك.
هكذا تنجو الفراشات الجميلة من الموت:
تتعلم أن الحبّ الذي يُطفئك ليس حبًا،
وأن القيد مهما لمع، لا يشبه الأمان.
تتعلم أن الرحمة تبدأ من قلبها،
وأن الكرامة جناحٌ ثالث لا يُرى.
حين تعود للطيران، لا يُصدّقها أحد.
يقولون: تغيّرت.
وهم لا يعلمون أن من يخرج من الرماد لا يمكن أن يبقى كما كان.
الفراشات لا تموت،
لكنها بعد الصدمة لا تعود فراشات…
تغدو كائناتٍ من نورٍ وصلابةٍ معًا،
تجرح ببهائها، وتُرعب بجمالها،
تُحلّق فوق كل ما أحرقها،
وتضحك من بعيد على الذين ظنّوا أن السقوط نهاية الطيران.









































