عنادي: مقامُ الاستحقاق، لا موضعُ الكِبر.
ما كنتُ يومًا عَنيدةً لأجلِ العناد،
ولا رفعتُ رأسي تعاليًا، ولا أغلقتُ بابًا لمجرد الرغبةِ في الإغلاق.
لكنني حين رأيتُ كيف يُستباحُ الصمت،
وكيف تُستدرجُ الطيبةُ إلى مقصلةِ التنازل،
صنعتُ من العنادِ حصنًا، ومن "لا" مقامًا للكرامة.
عِنادي ليس نُتوءًا في النفس، بل سُجودُ عقلٍ لقيمةِ الاستحقاق.
هو الوجهُ الآخرُ لقولِ الحقّ في وجهِ الباطل،
والماءُ المتماسكُ في زمنِ الذوبان.
أنا لا أُعاندُ لأتحدّى،
بل لأحمي المسافةَ بيني وبين ما لا يُشبهني،
ولأصونَ نَفسي من التورّطِ في ما يُطفئ نورها.
عِنادي تزكية…
أطهّرُه من حماقةِ التمرّد، وأُلبِسُه حكمةَ البصيرة،
فلا يُلقيني في مزالقِ القسوة، ولا يُسايرني في طُرقِ الهوان.
إنّما هو صوتي حين يُصرّ أن لا أعودَ إلى نفسي منكسرة،
ولا أخرجَ من موقفي إلّا وأنا على هيئةِ مَن عرفَ قيمتَه…
واستحقّ أن يُعامَل على أساسِها.
عنادي ليس منبت كِبر،
بل صوتُ الإنصافِ المتأخّر لتلك التي ظلّت تُنقذ الجميع،
وتخشى الخسارة أكثر مما تخشى الانطفاء.
عنادي هو القبلة التي أضعُها على جبينِ الطفلةِ التي داخلي،
وأقول لها: لن أُسكتكِ بعد اليوم.
كنتُ أتنازل خشيةَ الهجر،
فلما شفيتُ من وَهم الاحتياج،
صار عنادي صلاةً تُقيمُني على سجادِ السلام.
أُدرك الآن أنّ بين العناد والكِبر شعرة،
لكنّ النيةَ تفضحُ البواعث:
فأنا لا أُصرّ لأكسر،
بل لألملم بقاياي من محاولاتٍ لا تُشبهني،
ومن علاقاتٍ تُراوغني باسمِ الحب، وتُهدّدني باسمِ الغياب.
وأهدي هذا النص،
إلى كلّ من ظنّ أنّ عنادي جدارٌ لا يُجتاز،
ولم يرَ أنّه البابُ الوحيدُ الذي لا يُفتح…
إلّا على نفسي الحقيقية.