لطالما كانت تراقب الساعة الرملية، تلاحق الحبات التي تتساقط، تراها تتناثر واحدة تلو الأخرى، تشعر وكأن الوقت يهرب منها.
وكانت كل مرة تشعر فيها أن الوقت قد فاتها، تزداد قسوة على نفسها. وكأن تلك الحبات هي آمالها الضائعة، وأحلامها التي تسللت في غفلةٍ منها، بينما هي تغرق في دوامة الخوف والقلق من المجهول. كانت تظن أن كل لحظةٍ لا تُنتزع من يديها، هي فرصة تفتقدها للأبد.
لكن، وفي لحظةٍ واحدة، وقعت الساعة من يدها، وانكسر الزجاج. لم تكن هي من ألقته، بل الحياة، التي قررت أن تُمزق حدود الوقت الوهمي الذي كانت تسجن فيه نفسها.
وعندما سقطت الساعة، حدث ما لم تكن تتوقعه: انقلبت الساعة الرملية.
والرمال التي كانت تهرب في الأعلى، بدأت تتجمع في الأسفل، في أعمق نقطة من الوجود. بدأت ترى الأمور بصورة أخرى؛ لم يكن الزمن قد ضاع، بل كان متراكمًا في داخلها، مليئًا بالتجارب التي شكلتها، بالفشل الذي جعلها أقوى، بالأمل الذي كان مختبئًا في بئر قلبها.
ثم أدركت أن كل دقيقةٍ ضاعت لم تكن سوى جزءٍ من التحول، وأن المسافات التي ركضت وراءها، ما كانت سوى أوهام صنعتها بنفسها، خوفًا من الفراغ.
وكما تساقطت حبات الرمال واحدة تلو الأخرى، بدأ قلبها ينبض بسرعة، ليس بسبب الخوف، بل بسبب الحرية التي شعرت بها لأول مرة، لأنها خلعت قيود الزمن.
أصبح الوقت في يدها، ليست مثل الساعة التي كانت تحسبه، بل كالماء في نهرٍ لا ينتهي، يتدفق بلا توقف، لكنه ليس في عجلة. بل يمضي بطريقته، ليُظهر لها أنه لا يوجد تأخير، ولا عجلة للوصول.
ما عليها سوى أن تعيش، وتكون.
"الوقت ليس ما نركض وراءه، بل ما نصنعه في اللحظة التي نستطيع فيها أن نوقف أنفسنا."