"چالّي يا مستهبلة!"
كنت قلتها ببراءة:
"صعبة عليّا قوي يا چلب..."
وسكت، حسيت الكلمة تقيلة، مش ع الجرح… على النُطق!
بصلي بعينه اللي فيها غيظ ساكنه حنية،
وقالها بنغمة لا يقدر عليها غيره:
"يا مستهبلة!"
ضحكت وأنا مش عارفة،
هو بيعاتب؟ ولا بيغازل؟
هو بيعلّمني؟ ولا بيستعذب ضعفي في الكلمة؟
كان لما يغلطني،
كأنّه بيعدّل نغمة موسيقى، مش مجرد نُطق.
"چالبي" قالها هو… وأنا ردّيت:
"چلبك، چلبك، وگلبك كمان لو تحب!"
ابتسم…
وقال: "أنا بحب لما تتوهّي… بس تروحيلي ف الآخر."
هو ماكانش بيحب اللهجة وبس،
كان بيحبني وأنا بتخبط فيها،
وهو بيصلّح،
مش بالكلام…
بالعين، وبالنَفَس، وبالضحكة اللي كانت كل مرة تقولّي:
"خُدي وقتك يا مستهبلة… بس متنسيش، چالك منين الحب دا كلّه!"
"چالّي: لا يا وليّه، ما تنطقيهاش كده… الجيم دي چيم، والقاف… جيم برضو، بس بصوت خِفِت شوية."
كنت أتلخبط، وأعيد وراه…
"چلبك؟"
"چميل؟"
يضحك ويقول: "ما له الصوت لو چنّ؟ طالما طالع من چلبك؟"
كلامه كان له نغمة…
زي دقّ الطبول في فرح،
زي صوت الحنّة على إيدي وأنا ساكتة…
مش فاهمة اللهجة، لكن فاهمة الحُب.
كنت أتوه بين الحروف، وهو يرشدني،
مش بحروف الجر… بحروف الجَمر،
اللي لما بينطقها، بدوب.
چالّي مرة:
"اللي تحب، تتعلّم لُغتي… مش بس لُغة الكلام،
لُغة السَتر، والعيب، والواجب، والصَبر الطويل."
وسكت…
بس سكوته كان چواب،
علّمني في لحظة، إن اللهجة مش نطق،
اللهجة عهد.
"بحب لهجته... مش بس عشان هو بيقولها،
لكن عشان كل حرف فيها بيحضني."
هو صعيدي…
يعني لما يقول "يا وليّه"، يقصدها دعابة ما تتشرحش.
ولما يقول "جَدَعَة"، يعرف إنك السند، مش بس الحبيبة.
علّمني إن الجيم بتتنطق جافّة، من صدر واثق،
وإن الـ "قاف" عمرها ما تتكسف، بتطلع زي ما هي: قُدّام الناس، قُدّام القلب.
ياما عدّل نُطقي، مش عشان أسلّم،
لكن عشان أنتمي…
عشان يعرف إني سامعة بصوتي، ومتكلمة بروحه.
كان يقولي:
"قوليها كده… بالله عليكِ، اسمعيها من لساني الأول، وبعدين ردّي."
وأنا كنت أردّ، مش بالكلام،
لكن بابتسامة، وحضور، وحنين متخزّن في نبرة.
اللهجة دي مش بس كلام أهل الصعيد،
دي لغة حُبّي ليه…
لغة لما بنحكي بيها، بنرجّع كل اللي اتقال،
وبنحب من أول الضحكة…
لحد الجيم اللي اتعلمت أنطقها عشان خاطره.