ستظلّ المواجهة خيارًا مؤجلًا، طالما تظنّ أن الهروب أكثر أمانًا. ستخبر نفسك أن الصمت حكمة، وأن تجنب الاشتباك نجاة، وأنك لا تحتاج إلى أن تفسر نفسك لمن لا يريد الفهم. لكن الحقيقة أنك تخشى المواجهة، ليس لأنها صعبة، بل لأنها تضعك أمام نفسك بلا أقنعة.
تتراكم الكلمات التي لم تُقل، والمواقف التي بلعتها في صمت، حتى يصبح الصمت عبئًا أثقل من الكلام. تظن أنك نجوت، لكنك في الحقيقة تراكمت داخلك جراح غير مرئية، تخبو أحيانًا، وتفيض في لحظة غير متوقعة، فتسأل نفسك: لماذا أشعر بهذا الثقل؟
تبدأ الرحلة نحو التحرر حين تدرك أن المواجهة ليست صراعًا، بل بحثٌ عن الحقيقة. ليست انتصارًا أو هزيمة، بل انكشافًا. أن تواجه يعني أن تعترف، أن تُخرج ما أثقل صدرك إلى العلن، دون أن تتوقع فهمًا، أو انتظار اعتذار. أن تقول ما لديك لأنك لم تَعُد تطيق حمله، وليس لأن الآخر يستحق سماعه.
وحين تتخذ الخطوة، ستدرك أن المواجهة ليست خطرًا كما أوهمك خوفك. ستندهش كيف أن الصوت الذي ظننته سيرتجف، قد خرج ثابتًا. وكيف أن الآخر، مهما بدا قويًا، قد فوجئ مثلك بجرأة اللحظة. ستدرك أن نصف معاركك لم تكن مع الآخرين، بل مع ترددك الداخلي، وأنك حين تخطو نحو الحقيقة، فإنك تخطو نحو نفسك أولًا.
وحين تنتهي، ستشعر أن شيئًا ثقيلًا قد سقط من كتفيك. قد لا تتغير النتائج، لكنك تغيرت. لم تَعُد الشخص الذي يخشى المواجهة. لم تَعُد تحمل ما ليس لك أن تحمله. والأهم، أنك أدركت أن المواجهة الحقيقية لم تكن مع الآخر، بل مع خوفك من أن تكون واضحًا.