المشاعر لا تُدين أحدًا، بل تُعلن حضور القلب.
لكن في مجتمعاتنا... كلّما أطلّ الشعور برأسه، سارع الناس إلى خنقه،
وكأن العاطفة تُهدّد النظام، وكأن البكاء طعنة في جدار الكرامة،
وكأن الارتباك في لحظة ألمٍ خيانةٌ لمقام الثبات الزائف!
ما أضيق القلوب التي ترى في المشاعر خصومة،
وما أعمى العيون التي تخشى دمعةً لأنها تعكس صدقًا لم يحتملوه.
في هذا العالم الذي يعلّمنا كيف نخفي، لا كيف نُعبّر،
تصير المشاعر عبئًا داخليًا، يُخزَّن في الظل، ويأكل الروح بصمت.
وكأننا صرنا نحيا في مجتمعات تعلّمت فنّ دفن الأحياء… في داخلهم.
لكن، ماذا يحدث حين لا تُفهم مشاعرك؟
لا تتلاشى، بل تتحوّل...
تتسرّب إلى الجسد كما تتسرّب الرطوبة إلى الجدران القديمة،
فتنهار الأعصاب، ويُصاب البدن بما عجز اللسان عن قوله.
يتجلّى الوجع في هيئة صداعٍ دائم، أو خفقانٍ مفاجئ،
أو أمراضٍ يقال عنها مزمنة، لكنها في حقيقتها رسائل لم تُقرَأ.
فالمشاعر حين لا تُعبَّر، تنتقم.
تختبئ في الملامح، تندسّ في ردود الأفعال،
وتُعيدنا إلى مشاهد قديمة ظننا أننا تجاوزناها، فإذا بها تنبض من جديد،
لأننا لم نمنحها حقّها في البوح، ولا منحتنا لحظة نجاة.
يا من تُتّهم بالمبالغة...
يا من يُقال لك إنك حساسٌ أكثر مما ينبغي،
اعلم أن مشاعرك ليست عيبًا تُخفيه، بل لغةٌ يجب أن تُحترَم.
المشاعر زهرٌ هشّ، لا يقدّره إلا من اعتاد السير حافيًا في حدائق الأرواح.
ولا يحقّ لأحد أن يستهين ببكائك، ولا أن يختصر وجعك في سطرٍ من الأحكام الجاهزة.
لا أهل، لا حبيب، لا صديق...
يستحق أن يرى ضعفك، إن لم يمتلك رفاهية الصمت المتفهِّم، لا الصمت المتجاهِل.
وإن لم يستطع أن يحتويك، فلا أقلّ من ألّا يكسر ما بقي منك قائمًا.
تعلّم أن تكون حضنًا لنفسك، لا خصمًا لها.
أن تُهدّئ عاصفتك الداخلية قبل أن تُلقي بها على جسد العلاقة.
ففي لحظات الغضب، تسقط فواصل الحكمة، وتُقال كلماتٌ لا تُمحى.
وتذكّر:
أن الاحتواء لا يعني الإنكار، ولا الصمت يعني الضعف،
بل قد يكون في الهدوء أعظم مظاهر السيادة على الذات.
كن حارسًا على مشاعرك، لا سجّانًا لها.
واسمح لها أن تمرّ، كمن يُودّع ضيفًا عرف أنه لن يُقيم، لكنه جاء ليعلّم.
المشاعر رسل الروح،
وكلّ ما تطلبه... أن تُصغِي لها قليلًا،
لعلّك من خلالها تسمع نفسك كما لم تفعل من قبل.