العطاء ليس صُندوقًا يُملأ، بل قلبٌ يُمسك بزمام الانفعال.
فثمة عطاءٍ لا يُرى، لا يُلمَس، لا يُكتب على بطاقات الشكر، لكنه يسمو عن الأيادي الممدودة، ويتوارى خلف ستائر الصمت النبيل.
أن تُخفي غيظك حين يُفتح باب الجدل، هذا عطاء.
أن تُغلق فمك حين تُغريك لحظةُ الغضب أن تُهين، هذا عطاء.
أن تحفظ سرًّا لم يُودَع في خزانتك طوعًا، بل سقط في قلبك سهوًا، ثم أبيتَ أن تُخرجه للريح…
هذا، يا صديقي، هو العطاء الذي لا تصحبه تصفيقة، ولا يرصده ضوء، لكنه أثقل في ميزان الأخلاق من ألف كلمة طيبة.
إنّ كفّ الأذى… هو صدقة الذين امتنعوا عن أن يكونوا سيفًا في ظهور الآخرين.
وستر العيوب… هو هدية الذين آثروا أن يُرمموا الشروخ بدلًا من أن يُشيروا إليها.
وكتمان الغضب… هو تاج الحكماء الذين علموا أن الطين حين يُحرَّك، يُعكّر صفو الماء كله.
فأيُّ يدٍ أعظم عطاءً:
يدٌ تُلقي بكسرة خبز، أم قلبٌ يَكُفّ لسانه عن جرحٍ لا يلتئم؟
أيُّ فمٍ أنقى:
فمٌ يَهب الكلمات، أم ذاك الذي يصمت حين يكون الكلام سمًّا شهيًّا؟
في عالمٍ تُغنّى فيه الأيادي المانحة،
ثمة قلوبٌ تمنح بصمت، تمنع الشرّ عن غيرها،
وتكتفي بأن ترى أثر الخير ولا تُنسبه لنفسها.
هؤلاء… هم الرائعون الذين يعطون من عمق النُبل، لا من زهو الكفوف