فرق كبير بين نهاية حرب وبين حرب النهاية
ولقد فرحت كثيرا بهذا الحشد الكبير من رؤساء الدول وهم يتقاطرون على شرم الشيخ في زمن قياسي ومفاجئ ألغى كثيرا من قواعد المراسم والبروتوكول وأصول التعامل بين الدول بصرف النظر عن قيمة وحجم أي دولة .. ما علينا ، المهم هو الإجابة على السؤال : هل هذه نهاية حرب حقيقية تلحق بها إعترافات ثلثي دول العالم بفلسطين كدولة فقدت أرضها ولم تفقد هويتها منذ سبعة وسبعين عاما، أم هي هدنة طويلة الأجل لالتقاط الانفاس تمهيدا لحرب النهاية؟؟
فرق كبير بين إنهاء الحرب بالوسائل الدبلوماسية المتاحة
عندما يصعب على الفريقين المتقاتلين أن يستمرا في قتالهما دون بلوغ الأهداف المرجوة لأي طرف منهما أو للطرفين معا. وغاية مثل هذه الحروب في الغالب هي إملاء شروط المنتصر وسيادته ( وهذا لم يحدث هنا لأي منهما) حتى إشعار آخر أو نشوب حرب أخرى.
هذه هي النهاية المؤقتة للحروب غير التقليدية بين جيش نظامي يملك من أسباب القوة والبطش كل وسائل الدمار الشامل وبين جماعات عنيدة مسلحة تختبئ في كهوف الخوف .. وعندما تتوقف هذه الحرب (ولا تنتهي) تكون أقرب الى الهدنة الطويلة، مع الاحتفاظ دائما بمبدأ تكشير الأنياب والتربص وتصيد الأخطاء ... أما حرب النهاية فهي الحرب التي صممت في الأصل لقضاء طرف على الطرف الآخر جغرافيا وديموغرافيا ومحو تاريخه وتاريخ "من يتعرض له" أو يناصره.
طبيعي أن أدين أي جبار غشيم يبكي على حلمه الضائع في جحيم قطاع منزوع السلطة والسلاح وقد أصبح ركاما ، وفوق أشلاء ضحايا لا ذنب لهم إلا إنتمائهم (بالضرورة) لجماعة تتستر خلف سياج ديني وتقاوم آلة المحتل الغاشمة دون حساب لنتائجه.
الحسنة الوحيدة بعد كل ما جرى في غزة من تخريب ودمار على مدى عامين هي عودة القضية الفلسطينة إلى واجهة المسرح السياسي الدولي بعد غياب طويل كادت من طول الغياب أن تُمحى من ذاكرة الجغرافيا والتاريخ
ومع ذلك هناك بعض الملاحظات التي لا ينبغي إغفالها في تصوير قمة شرم الشيخ وما يترتب عليها من الداخل، أهمها ما يلي:
١. أن يأتي ممثل السلطة الفلسطينية في اللحظات الأخيرة ذرا للرماد في العيون ، فليس من المقبول أو المعقول أن تدق طبول الفرح ووكيل العروس غائب عنه
٢. أن يحضر ممثلو دول بعيدة جغرافيا عن بؤرة الصراع مثل أندونيسيا وأرمينيا ... هذا جميل ... لكن ليس جميلا أن يغيب رئيس لبنان الذي يئن بلده من وطأة حرب لم تحسم بعد ولا يبدو أن حسمها وشيك.
٣. أن تغيب دولتان عربيتان محوريتان ( كالعادة ) في مثل هذا الظرف المصيري لأن الاجتماع في مصر ولأن الأصابع تشير اليهما من بعيد في تحمل الجانب الأعظم من تكاليف إعادة الأعمار .
٤. أن يقف قادة الدول المشاركة وممثلوها كالتلاميذ في طابور طويل ليحظى كل منهم بلقاء السيد ترامب (وحده) بوصفه رئيسا مشاركا في الدعوة ، وهذا مقبول في قواعد المراسم شكلا وليس مقبولا موضوعا على أرض غير أرضه
٥. أن يتناول الكبار الجانب الإنساني كوقف القتال وتبادل الأسرى وتسهيل دخول المساعدات بينما ينتفي من أحاديثهم ولو بالإشارة حل الدولتين، وهو موضوع الصراع والسبب التاريخي لحسم حاضره ومستقبله.
٦. ، أن يُطرح إسم السيد توني بلير كمسؤول تنفيذي للقطاع وهو الذي إرتكب ( باعترافه) جريمة حرب في العراق غير مبررة ، تلك الجريمة التي راح ضحيتها عشرات الألوف من القتلى والمشردين .. وبدلا من محاسبته دوليا يأتي متوجا بأكاليل نصر زائف ليعيد سيرة السيد بول بريمر الحاكم الأمريكي للعراق الذي شنق رئيسه في فجر الذبح العظيم والعرب كالعادة نيام.
وهكذا ينففض المولد الفلسطيني في شرم الشيخ وقد أدت مصر بشرف ما ينبغي لها القيام به تاريخيا ، ويبقى أن تسير الأمور دون تفاصيل شيطانية في الأيام التالية وأن تشرق شمس النهاية كما نبغي ونحلم لشرق أوسطنا التعيس ولبلادنا العربية المنكوبة بثرواتها