يا وجعي الأزلي، يا تغريدة الحزن في أرض الغربة، أما رقّ قلبك لاحمرار مدامعي؟
نادته من خلف الحاجز الخفي الذي يفصلها عن عالمه، ذاك العالم الذي لا يزال هاجسًا يؤرق راحتها مع أنها لم تعرف يومًا معنى لها .
كلَّ صوتها الناعم الرقيق وتعبت قدماها الصغيرتان، فقد طال بها المسير هائمة في أرض لا تعرف لها بداية من نهاية، لا معالم، لا إشارات، ولا شكل يدل على وجود حياة. حتى أنفاسها لم تكن تعبر عن وجودها، بل كانت رمزًا لكينونته وحضوره الدائم رغم الإختفاء.
توقفت عن الهتاف فجأةذ؛ غصة في الصدر أوقعت جسدها الهزيل، أحست أن الأرض بعيدة بأميال رغم حجم جسمها الضئيل، سقطت فتناثر شعرها العاجي على رقعة واسعة من أرضه الطيبة.
غابت بنصف وعي بين عالمه وعالمها، رأت طيفه يتأرجح بين ظهور واختفاء، نادته بصوت مبحوح:
أيها الغريب، أرجوك أعد ما سرقته مني، يكفيك ما أكلت من عمري من سنين وما صرفت من كبريائي العتيد.
لم يجب، فقط وضع راحة يده على خدها الصغير، وأغلق بأصابعه التي حوت حنان الكون عيناها اللوزيتين المتعبتين، فغفت لبرهة لتستيقظ على منظر مهيب.
لقد انبثقت من بين خصيلات شعرها زهور الخزامى بلونها البنفسجي المريح، كانت الرائحة قوية ومنعشة لدرجة بعثت فيها النشاط مجددًا كعنقاء بعثت من رماد الألم لتستنشق أولى نسمات الأمان.
تلمست موضع قلبها :هناك نبض!
صاحت مبتهجة، وقفت على عجل، همّت بالركض سريعًا في الاتجاه المعاكس الذي كانت تسلكه،
وكلما ابتعدت بضع خطوات سُحبت مجددًا لنفس الموضع ولنفس الوضع، وكأن خيوطا خفية نسجت من تعلق حتمي واقتران قدري تسحبها بقوة، أو أن طاقة مغناطيسية منبعث من مخطوطات خيميائية تجذب الوتين للوتين٫ تجيد التمسك بها...