(شهادة)
على مدى عامين متتالين قبل أحداث يناير ١١ ، تم تكليفي من قبل المنظمة باستقبال ومصاحبة الرئيس مبارك لحضور مؤتمرين للأمم المتحدة حول سياسات التنمية والأمن الغذائي العالمي.. وكانت تلك هي المرة الأولى التي ألتقي فيها معه عن قرب ونتبادل الحديث .. وبصرف النظر عما كان يدور في البلاد من لغط بشأن الحكم وظروفه وحالة الإهمال والفساد وقضية توريث الحكم التي لا أوافق عليها من حيث المبدأ، فأنا كنت أتعامل معه بوصفه رئيس دولة عضوا بالأمم المتحدة وبوصفي موظفا دوليا محايدا ذا مهمة محددة...وهنا أنقل عنه ما لمسته من حديثي معه وأعرف أن ذلك قد يثير حفيظة بعض الأصدقاء الذين أتفهم وجهة نظرهم ولا أختلف معهم أو أعتب عليهم . فقد لمست في أحاديث الرئيس وضوحا في وجهة النظر المصرية بشأن القضايا الدولية وموقف مصر الثابت منها وإنحيازه الواضح لصالح المواطن المصري والعربي رغم قسوة الضغوط من الدول الغربية وسياسات العولمة الحاكمة التي تشد كل الدول النامية من أعناقها إلى الأزمات الإقتصادية الطاحنة والتي طالت لاحقا كل الشعوب العربية والأفريقية وكل الرؤساء المعمرين في تونس وليبيا ومصر والسودان واليمن والعراق وسورية وزيمبابوي والجابون ..
كان الرجل حاضر الذهن حاسماً كأي عسكري مصري سريع البديهة مرحا على غير ما كنت أسمع عنه ..لكن أكثر ما لفت نظري في حديثه هو أنني كنت أرى في عينيه بريقا خاصا عندما يتحدث عن عظمة وكفاءة الجيش المصري وانتصاراته ..
وفي معرض حديثه عن التحديات التي تواجه مصر في ظل النظام العالمي الجديد قال لي الرئيس : نحن تعودنا على هذه المناورات ونعرف كيف نرد عليها .. هم يريدون موطيء قدم في بلادنا ونحن لن نمكنهم من ذلك ولابد أن ندفع ثمن هذا العصيان.. ولا سبيل للفكاك من هذا إلا بالعمل والإنتاج واستقلال إرادتنا.
وقال في كلمته أمام الملوك والرؤساء(مائة وثلاثة عشر ملكا ورئيسا) إن الدول التي عطلت عملية التنمية وصنعت الفقر في بلاد العالم النامي على مدى قرون لابد أن تتحمل مسؤوليتها في تعويض الجوعى والفقراء في هذا العالم لكي تنعم بالسلام قبل أن تدفع الثمن غاليا حين تتمرد هذه الشعوب ضد مصالحها.. وبعدها بأقل من عامين دفع هو الثمن غاليا حين جاء التمرد عليه من بلده ضد سياساته ونظامه لينهي ثلاثة عقود من الحكم في مثل هذا الشهر منذ إثني عشر عاما ..
وهكذا تدور الأيام وتتوالى الأحداث لينهي الموت كل شيء وتبقى كلمة التاريخ هي الحكم .. ولكن على هوى كاتبها.