هو من اختار الرحيل، لم يترك لنا مساحة للحوار أو تبادل الآراء.
لم يسمح بأن نعرض وجهة نظرنا، أن نبرر، أن نشرح، أن نقول: "نحن بشر، نخطئ كما يخطئ الآخرون... لكننا لا نتهرب من أخطائنا، بل نراجعها – مع أنفسنا قبل النوم، ومع من نحب حين تسنح الفرصة."
هذا ما كان يعرفه القريبون منا، أن الحكمة لم توجد لتُحبس، بل لتُنير دروب من لم يبلغوها بعد.
لكن ما الجدوى إن وُئدت الكلمات قبل أن تُقال؟
إنه نهج الديكتاتوريين، وأصحاب العقول المغلقة، والنفوس الضيقة... أولئك الذين يخافون الرأي، وإن جاءهم على هيئة حكمة.
في مساءٍ خانق، سادته رطوبة ثقيلة كادت تجمّد الهواء، توقفت حركة الناس، أُغلقت الأسواق، اختفى الجميع خلف جدران منازلهم.
النوادي، المدارس، الجامعات... كل شيء صمت، وتحوّل بعضه إلى تعليمٍ عن بُعد، وكأن الحياة أجّلت موعدها.
رغم ذلك، كانت الفرصة لا تزال قائمة لنسمع بعضنا، لنلتقي في منتصف الطريق، لنطوي الماضي ونسرد من جديد أول صفحة في كتاب الحياة المشتركة.
لكن حين تتحجّر القلوب، تعمى البصيرة، ويتجمد الفكر، يولد التطرّف...
وتنشأ شخصية منطوية، حاقدة، حتى على أقرب الأقربين.
وهنا، يبدأ التوهان... والضلال.
الأيام لا تنتظر أحدًا.
الدنيا تمرّ وتخصم من أعمارنا لحظةً بعد لحظة.
وما من أحد يضمن كم بقي له من الوقت.
فأعمارنا مكتوبة، وأرواحنا بيد الله وحده، يقبضها متى شاء.
يا عابرة...
ما ضيّقته القلوب لا ينبغي أن يُضيّق علينا سُبل العمل الصالح، أو يخصم من عبادتنا، أو يبدّد أملنا في القبول عند الله.
السلام على من أفسدت الخصومات قلوبهم، حتى تجاه أسرهم وعشيرتهم.
والسلام علينا نحن... إن لم نُفسِد.