ليس من السهل على كل إنسان أن ينسى مواقف تركت أثرًا في حياته.. وصنعت فارقًا...
ولعلني خير مثال لذلك.. فأنا لا أنسى..
لا أنسى من جبر خاطري وربت على كتفي في عز كسري..
ولا من كسرني وأنا في أشد الاحتياج لكلمة طيبة منه.. فخذلني وآلم قلبي..
لا أنسى من تحملني في لحظات وحشتي.. وتشبث بي في أكثر أوقات تفريطي وفقداني الثقة بكل من حولي..
ولا أنسى من تركني رغم تعلقي.. وأكمل مسيره دون أن يلتفت لقلبي المفتت من رحيله..
لا أنسى نبرة الحب.. وكلمات الأمان.. وزفرات الاحتواء..
ولا تفارقني نظرة العين الحنون التي احتوت لحظات خوفي وقلقي ورجفتي..
كما لا أنسى نبرة الصوت التي أفزعت روحي وقلبي.. وأقلقت مضجعي..
لا أنسى الكلمة الصادقة التي توجهني وتساعدني وترشدني إذا ما تهت عن الدرب الصحيح..
كما لا أنسى الكلمة التي تستتر بالمزاح فتؤذيني.. ولا الضحكة المصطنعة التي من ورائها يكمن العكس تمامًا لكل جميل..
لا أنسى لحظات وحدتي وألمي.. وانزوائي عن كل من حولي..
كما لا أنسى السؤال عني.. وتكراره مهما تجاهلت أو قابلته بالصمت.. وأميز سؤالًا من حبيب متلهف لطمأنينتي.. أو سؤال من باب الواجب..
ولا أنسى رسالة من يفتقدني فعلًا.. ولا رسالة من سأل من باب حفظ ماء الوجه..
لا أنسى حبيبًا مهما ابتعدنا مقيمٌ بين الضلوع..
كما لا أنسى حبيبًا كان استثناء فخذلنا.. اقتربنا من بابه طالبين الوصال فأبعدنا.. وهان عليه الود والقرب..
لا أنسى من قال لي: أنا معكِ وصدق..
ولا من قال: أنا معكِ ولم أجده..
لا أنسى لحظات السعادة .. واضطراب القلب وقت الفرح..
حين يرقص طربًا من فرط بهجته..
ولا أنسى الشعور بالندم على المبالغة في الوضوح.. والإفراط في العطاء.. وسكب كل المشاعر دفقة واحدة دون حساب..
لا أنسى الإحساس بالخيبة على البراءة النقية.. ولا حسن الظن المطلق..
ولا أنسى الدموع التي نزلت من فرط السعادة وجبر الخاطر.. ولا الدموع التي نزلت وقت الألم..
لعل ابتلائي في أنني أعيش على الذكريات.. أقتات على رفاتها للعيش في الحاضر..
أتنقل بين التفاصيل التي طواها النسيان فبقيت بداخلي عالقة لا يمحوها مرور زمانٍ أو تبدل مكان.. وأظل بينها سجينتها التي فقدت مذاق الحياة..
ولعل ذاكرتي هي سبب شقائي..
وسر شقائي هو أنني لا أنسى..
ولا يقدر النسيان على مداواتي مهما مرت الأيام..