لم يكن هو الذي ضاع الأشياء من يده, كان مسالما لكل شيء, حتى لم يقدر عليه, وظلمه يوما ما كان قلبه طفلا لا يعرف إلا الحب, ويخاف إذا ما حملته الأيد بعيدا ...ساد بينهما الجفاء وساءت والأمور إلى الحد الذي مات فيه كل شعور, التمست الحب القديم, ينقذ ما يمكن انقاذه من أيام مازالت الذاكرة تحملها بين الضلوع, صارت الضلوع قضبان حديد, لا أستطيع منها الهروب, السجن الأبدي, حكم على كلينا بالجمود, نقف في واجهة بعضنا, ولا يحركنا شيء إذا ما هبت العواصف يميل كل منا إلى الأتجاه الأخر, تموت الأنظار, تهرب بعيدا, تقع على كل شيء إلا عينيه, القيود أدمت القلوب والجرح ينزف منذ سنوات, وتلك القطرات التي تسقط على الأرض ترسم لنا طريقا, تتناثر على أشلائنا دمائه, كلنا حي ميت, حي لغيره, ميت بالنسبة له, عكرت نفوسنا الهموم التي لا تنتهي, لا تكف عن اللحاق بذيل ثيابنا المتسخة من شوائب الأيام, ذهبنا إلى البحر يوما, قلنا نتطهر بماء الحنين إلى الماضي, نتذكر رحلة قديمة, كنت أنا وهو والبحر والشمس تطل علينا وبصرنا يمتد لنهاية البحر, فلا تستجيب إنما هو الماء والنور وقلوب متفتحة للحب, لكن البحر غير البحر والشمس غير الشمس, والنور القادم منها أشعته مريضة تذكرك بالموت والبحر المهول خانق ضيق كل شيء, تغير حتى أنا وهو لم نعد كما كنا إنها محاولة فاشلة, كي نسترد ما أصبح رمم وأشلاء إن الحب الذي عشنا به في الماضي, والشغف به وهوسي لم يعد شيء منه نقبنا فينا ونبشنا في أعماقنا, ولم نعد بطائل جذوة النار التي كانت مشتعلة أطفأتها السنوات العجاف, وأيقنا أننا نجري وراء سراب, وإن النعيم الذي رأيناه على وجه الحياة, مات فينا, قبل أن نرى صورته يحتضر في عيوننا رجعنا من البحر الغريب غرباء عدنا, ونحن على يقين بأننا سنظل جامدين إلى أن نموت أيام من أجل الأبناء من أجل المنظر العام أمام الناس من أجل ضحكات الصغار أحفادي من أجل أي شيء ليس له علاقة به سافر بلا وداع دون أن تتلامس الأيدي للمرة الأخير, فقد أصابها هي الأخر العطب, ففي نفس كل منا سعادة لرحيل كل منا عن الأخر, وخوف من اللقاء ثانية وأمنيات بأن لا يأتي أبدا, هل أتمنى موته لا أعرف, لكني لا أريد لقائه ثانية, ليته لا يجيء تبتلعه الغربة, فينسانا هذا الذي كنت يوما مجنونة به, لا اطيق فراقه يوما, ساعة لحظة من نهار أو ليل, أتمنى ألا يعود إلا التصق به ألا تراه عيني, إن الذي تغير فينا عظيم, يدك الجبال الراسيات, أربعة أشهر, ولا صوت يأتين عبر الهاتف, وأنا نستريحت لذلك أخاف يوما أن يأتين صوته يدق جرس التليفون, يسأل عني, أتمنى ألا يفعل, فقد أفل نجمه في سمائي, لم يعد لنوره وميض, بعد أيام عيد جوازنا أظن أنه لن يتصل, هو مثلي لا يريد أن يعود, أهي الغربة, التي أكلت منه, ومني, دون أن ندري, فما علمنا إلا بعد فوات الأوان, هل كان حظي من الحياة, أن أبقى وحدي في خريف دائم, وأهوال لا تنقطع بعد أن كنا كل لا ينفصل, صيرنا أجزاء متفتتة, أعيش هنا, ويعيش هناك, لم يتكأ كل منا على الأخر, نحتسي الشاي بعد صلاة الفجر, و تدور كئوس الذكريات بيننا, نترع منها ونتسابق بخطواتنا القصيرة, ونحو أنفسنا نتدثر بالعشرة التي ذابت وخفتت بيننا.