ما يفصل بيننا ليس ذلك الجدار, الذي تراه, إن هذا الجدار, وما هو أشد منه وأضخم, كومة قش, إن وجد يد قوية, ورائها قلب قوي, يحمل سلاحا قويا, يهدم به كل جدار, وإن عزيمة قوية هي رياح هوجاء تقتلع الجذور العميقة, تهوي بها على أرض الحقيقة, تمحو بها كل أثر قديم, ولكن وراء هذا الجدار ما لا ينقض, ولو ملكت قوى العالم, ولو ملكت أسحلة وذخيرة جبارة, وراء هذا الجدار قلب ألقت بها الحياة وسط جحيم, فهو الأن ميت وليس لأحد قدرة على إحياء الموتى, ليس لأحد القدرة في إبتعاث الأرواح التي صعدت إلى السماء, أطلال بالية, حطمتها أيدي السفاحين من بني البشر, فالذي بيني وبينك ذلك الموت السرمدي, جسر ضخم من جماجم أتعست وجودها السنوات المرهقة, وفضت غشاء نقاءها بقوة الجبروت الأدمي, فأنا لن أعود, فليس هنالك عودة لبقايا حملتها رياح الكراهية إلى وادي الموت, جرفها تيار شديد إلى هاوية تحطت عظامها على صخرها المتراكم, تهشمت الرأس وأصبحت لا تعي من فرط دهشتها أي شيء نالها الجنون والسياحة في الأرض بلا ذاكرة, فالذي بيني وبينك ظلمة أورثتها الأيام في قلبه, حتى صار عتمة, لا تفضي إلا إلى هلاك موحش, عد حيث كنت أبحث عن أخرى, تملك من الدنيا ما تستطيع أن تحيا معك به, قف هناك في شاطيء الحياة ولا تبحث عن الأموات, فقد يطال شيء من لعنتهم فتموت أنت الأخر, لا تحاول أن تهدم الجدار فهو لا جدار من الطوب أن من الفولاذ غير قابل لأن يتحطم هو قائم كصرح كبير يفصل بين عالمين, لا يتقابلان فكل من يحاول أن يتخطى حدود يمت تنتزعه من عالمه إلى عالم القبح, حيث كل شيء هنا قبيح مظلم, أنصت لكلماتي قبل أن يحدث ما لا يحمد عقباه, ويطالك ندم عظيم ينغص عليك حياتك, كان من الممكن أن أوهمك بكلماتي المعسولة, برنين قلب جرحته الأيام, لكنني لا أريد أن أحطم قلبك البكر الصغير, الذي لم يعرف معنى الحياة, بعد فهو في بداية الطريق يخطو خطواته الأولى, فهي التي تحدد له أي الطرق يسلك فإن هوت به هوى وضاع وسقط غير مأسوف عليه من أحد, فالذي تراه وهم ما يمليه عليك قلبك سراب خادع فلا تطعه فيما يملي عليك إنه لا يدرك معنى الشر, وكيف تتفنن البشرية في تزويقه وتلميه حتى يجر ألاف الأعناق إلى هاويته, قيطفأ نار تأججها الأحقاد الدفينة, وتنتشر حتى تأكل حتى الأرواح الطاهرة, التي لا ذنب لها في شيء من خبائثهم إنك لا تستطيع أن تتخيل مدى هذا الإنهيار الذي يلحق بك, إن وقعت فريسة بين مخالبه, فتمزقق أربا, ولا تبقي منك شيء إلا حسرات تفتك بك, وتهدم فيما تبقى منك أنت أعمى لأنك ترى الناس بعيونك البريئة, فترى الطهر يمليء كل مكان ذلك إنعاكس لقلبك لا قلوبهم وستظلوا بك حتى تفقده, وتعيش كالأخرين بلا قلب, وبلا ضمير, حتى تنصت إلي أم إنك غارق في بحر وهمك إنك تستطيع أن تغير ما حفرته الأيام والسنوات بل القرون في نفوسهم وضماءهم, أظنك لن تعي ما أقول ولن تعيه, حتى ينالوا منك هناك تتذكر كلماتي, وتعيدها على نفسك مرارا وتكرارا, وتندم حيث لا ينفع ندم ولا شفاعة, تنقذك مما ألم بك فتؤمن بالضياع وبأنك أخر فتنظر من خلال ثقب الجدار, تنعي أيامك الماضية, ثم يأتيك من يحاول أن يهدم الجدار من أجلك تحاول, أن تنقذه تأخذ بيديه, فلا يستمع إليك ويهوي كما هويت, وينقض الجدار على الرؤس البرئية يكمل مسيرة الغدر.