التأجيل والتسويف.. ظاهرة تتفاقم يوم بعد يوم وسلوك يتكرر بشكل ملحوظ عند النشء الجديد بمختلف أعماره.
بعدين، مش وقته، كلمات السر التي يتفوه بها الأبناء عند أداء الواجبات المدرسية أو اليومية التي لا تحتمل التأجيل. يُفَضِل معظمهم المكوث في منطقة الراحة والاستمتاع باللحظة الراهنة مع الهواتف والشاشات، عن الخروج لِثِقَل الالتزام. تبدو هذه الأفعال بسيطة من وجهة نظرهم إلا أنها تحمل بداخلها لنا كمربين الكثير من علامات الاستفهام.
التأجيل والتسويف.. من أين تبدأ حكاية هذه الظاهرة وعلى أي جذور تستند وتكبر؟! حيث أن هذا السلوك لا يظهر فجأة ولا هو وليد اللحظة، إنما يعتمد في الاساس على بيئة محيطة تفتقد لتنظيم المهام وتتمسك بمبدأ
(يا نعمل كله يا نسيب كله). وقد ينشأ بسبب الخوف من الفشل، قلة الثقة بالنفس، أو معتقد أن الوقت ممتد لا ينتهي. فهم الأسباب النفسية الكامنة وراء سلوك التسويف هي المفتاح لتعديله بشكل فعّال.
مظاهر التسويف متنوعة لدى الأبناء، فمنهم من يؤجل الدراسة حتى نهاية اليوم، ومن يؤخر حل الواجبات بحجة سوء المزاج. يختبئون خلف شاشات الأجهزة، أو ينشغلوا بأمور جانبية. عندما يتكرر الفعل مرات عديدة يصبح عادة تضعف العزيمة، فيتحول الإنجاز إلى ثِقَل مؤجل بلا مبرر واضح.
أهم الأسباب التي تدفع الأبناء للتسويف:
• الخوف من الفشل..كثير من الأبناء يتجنبون البدء في المهام خوفًا أن لا يكون أداؤهم على الوجه المطلوب بشكل مثالي، يجعلهم هذا يفضلون التأجيل على مواجهة احتمالية الإخفاق.
• ضعف تقدير الذات..عندما يشعر الطفل أو المراهق بأنه غير قادر على النجاح أو أن جهده لا قيمة له، يفقد الدافع الداخلي، فيبدأ بتأجيل مهامه هربًا من مواجهة مشاعر الإحباط.
• البحث عن الكمال.. الرغبة المفرطة في أن يكون كل شيء “بلا أخطاء” تدفعهم إلى تأجيل البدء والحجة بعدم توفر الظروف المثالية والتي غالبًا لا تأتي.
• عدم وجود الحافز الداخلي، يعيش الأبناء عهد سريع ومثير وفائدته مباشرة وسهلة من وجهة نظرهم، ولهذا لا يرى الأبناء فائدة مباشرة من أداء بعض المهام المملة، خاصة إذا كانت مفروضة، مما يؤدي إلى التسويف أطول فترة دون الرغبة في إنجازها.
• التشتت وضعف التركيز.. وجود مشتتات كثيرة مثل الأجهزة الإلكترونية أو عدم وجود بيئة منظمة يجعل الطفل يؤجل المهام باستمرار.
• القلق والضغوط النفسية.. الأبناء مثلنا تماما لديهم ضغوط داخلية تصيبهم بالتوتر والإرهاق النفسي، ونظرًا لقلة معرفتهم بإدارة مشاعرهم، يلجؤوا للتأجيل كآلية دفاع نفسية تتيح لهم الحماية المؤقتة والارتياح من شعور التوتر.
• العادات الاسرية الغير منظمة.. بعض الأُسَر لا تلقي بالًا لأهمية الالتزام والانضباط، فينشأ الأبناء بالتبعية مؤجلين لمهامهم كأمر طبيعي دون وعي بخطورة ذلك مع الوقت.
يجب الأخذ بعين الاعتبار، أن فهم الدوافع السابقة لا يعني تبرير سلوك التسويف، بل يُتيح للمربين التعامل معه بحكمة وتعاطف.
كيفية تعديل سلوك التسويف والتحول بالتدريج للانضباط الذاتي :
• التحدث مع الأبناء عن معنى الحافز الداخلي الذي يساعدهم على الإنجاز ولماذا يجب عليهم الإنجاز؟ و الحث على خلق معنى لما يفعلونه.
• تقسيم المهام الكبيرة إلى خطوات صغيرة يجعلها أقل ثِقَل وأسهل في التنفيذ، ويمنح الابن شعورًا بالتمكين والإنجاز المتدرج.
• الاعتماد أغلب الوقت على الروتين الذكي لا الرقمي، حيث يقوم الأهل بتشكيل جداول مكتوبة معلقة، بها مرونة وتوازن بين وقت المهام والراحة، وتوفير بيئة خالية من المشتتات لأطول فترة ممكنة يساعد على، برمجة العقل على الانتظام دون ضغوط.
• دعم الإيجابية والتقدير بدلًا من اللوم الدائم، لتعزيز الخطوات الإيجابية، حتى لو كانت بسيطة. فالثناء الصادق على الأبناء يعزز الرغبة في الإنجاز باستمرار.
• وجود القدوة المنضبطة، عندما يرى الأبناء من حولهم منضبطين في مواعيدهم ومسؤولياتهم، فإنهم يتشربون هذا السلوك بالتقليد لا بالإجبار.
• الاعتراف بجهده المبذول والثناء عليه، لا بالنتيجة النهائية فقط، حيث التركيز على الجهد يعزز داخله الحافز الدائم للإنجاز، أما التركيز على النتائج فقط، يجعل النجاح مشروطا برضا الآخرين.
ختاما.. التأجيل والتسويف يحملان الكثير من الراحة المؤقتة والسعادة المزيفة، لكنه عبء ثقيل يؤجل النجاح ويملأ القلب ندمًا، يحتاج الأبناء منا الكثير من التفهم والصبر والتشجيع لتكبر من جديد بذرة الانضباط والمسؤولية بداخلهم.