وأنا أتصفح إحدى الدراسات التي تحمل عنوانا براقا يوهمك أنك أمام محاولة غير مسبوقة في تجديد الفقه الإسلامي ، وجدت في البداية كلاما نظريا عميقا منقولا من هنا وهناك وأعلم مصادره جيدا ، ولكن الكاتب لم يشر إلا إلى القليل منها وعلى استحياء ليوهمنا أن هذا التنظير الذي يبدو جيدا من بنات أفكاره ، وواضح أن هذا هو ديدنه في كتبه جميعها ، وقد اعتاد هذا الأمر ، لأن الله تعالى ماكان ليفضح عبده إلا بعد ستر .
أقول : هل أدرك هذا الإنسان أنه بهذا الصنيع ممن ينطبق عليهم قوله صلى الله عليه وسلم ( المتشبع بما لم يعط كلابس ثوبي زور ) لأنه شخص ينتحل غيره فهو زور في زور والعياذ بالله ؟.
عموما لفت نظري أن أمارات القبول قد توارت عن هذا الكتاب ، فهو ثقيل على النفس ، ولاتكاد الصفحة تمر إلا بعد لأي ، وهذا هو حال السراق جميعا ، من يسرقون جهد غيرهم من العلماء المحققين ، وينسبونه لأنفسهم ، هؤلاء يأبى الله إلا أن يعاقبهم بأشد عقوبة ، ألا وهي نزع القبول عن أعمالهم . ثم إنها ستزول ولن يكتب لها الخلود في الأرض ، فما أريد به وجه الله هو الذي سيبقى .
وقديما قال علماؤنا الأجلاء ( من بركة العلم نسبته إلى أهله ) وطبعا هذا كلام مبني على سابق تجربة واستقراء .
والخلاصة هي : أنه ليس المهم أن يصنف الإنسان المصنفات الطوال ، ولاأعدادا كبيرة منها ، ثم يجلس يفتخر : لي كذا وكذا من المصنفات ، المهم ياسيدي أن يتقبلها الله عنده في السماء حتى تقبل في الأرض .
وقطعا لاقبول في السماء بلا إخلاص ، ولو علمنا كيف كان يتوقف المخلصون من العلماء الأسلاف قبل أن يبدؤوا في كتابة أي مصنف من مصنفاتهم ، لتعميق معنى الإخلاص في قلوبهم ، لأدركنا لماذا لايمكننا الاستغناء عن كتبهم إلى وقتنا هذا ، لقد كان منهم من يبتدؤ كتابه صائما لله. ويظل هكذا حتى يتمه ، ومنهم من كان يقضي الليل كله مع كتبه ناو يا قيام الليل بعكوفه عليها حتى الفجر ، يقسم الليل مابين صلاة ومدارسة علم .
ولايظنن أحد أن هذا كلام خيالي أو مبالغ فيه ، ازدحمت به كتب التراجم ولايقين فيه ولاهو معقول في دنيا الناس ، أقول : كلا والله لقد أكرمني الله بأن رأيت بنفسي بعض هؤلاء المخلصين من العلماء بحق ، أهل البعد عن الأضواء والشهرة ، لايعرفون إلا الإخلاص والتجرد لله والعلم ، فاللهم إنا نتقرب إليك بحبهم فاجعلنا على دربهم سائرين ، آمين يارب العالمين .