انفرادات السيدة عائشة رضي الله عنها الفقهية مدرسة علمية قائمة بذاتها ، خالفت فيها ظواهر الكثير من المرويات ، وكبار المفتين من الصحابة ، وفي كل ذلك كانت تنطلق من رؤية ومنهجية ، قبل أن تعرف الدنيا شيئا من ذلك .
وبمناسبة الشهر الفضيل : نجد لها العديد من الانفرادات التي لم يقل بها غيرها من الصحابة ، من ذلك مثلا : قولها بكراهة السفر في شهر رمضان حتى لايضطر المسافر إلى الفطر ، مع أن ظاهر الآية ( ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر ) لايشير إلى شيء من الكراهة ، لأنها قررت الرخصة ، "والله يحب أن تؤتى رخصه كما بحب أن تؤتى عزائمه" ، ولكنها رضي الله عنها ، فهمت من قوله تعالى ( فمن شهد منكم الشهر فليصمه ) وجوب إتمام صوم رمضان على من شهده ، والمسافر بعرض نفسه للفطر ، لذا يكره له السفر في رمضان حتى لايضطر إلى ذلك ، بل إنها رضي الله عنها كانت ترسل إلى من ينوي السفر تأمره بالإقامة حتى يتم الشهر ، وقد وافق عائشة رضي الله عنها في هذا بعض التابعين .
وفي رأيي أن وعي السيدة عائشة العميق بقدر صوم يوم في رمضان من حيث الأجر والمثوبة ، وأن فطر يوم فيه بلا عذر قاهر لايعوضه شيء ، كان هو الدافع وراء هذا التوجه منها رضوان الله عليها ، فقد يتساهل الناس فيسافرون بلا ضرورة ولاحاجة ، بل وقد يتعمدون ذلك لأجل الترخص المشروع حين يشتد على نفوسهم الصبر على متطلبات الصوم ، فكأنها رضي الله عنها أرادت أن تسد منافذ الترخص دون حاجة على المسارعين إلى هذا المسلك ، وماأكثرهم !!! ، نعم قد يكون الفطر في حقهم جائزا ، فالنوايا لايعلمها إلا الله ، ولم تحرم عائشة رضي الله عنها عليهم الفطر ، ولكن نظرتها كانت أعمق من مجرد الحكم بالجواز من عدمه ، إذ نظرت إلى فوات الاستمتاع بروحانيات العبادة المقترنة بصوم كل يوم من أيام الشهر في الشهر نفسه وثمرة ذلك ، مما لايدرك في عدة من أيام أخر . رضي الله عن أمنا السيدة عائشة الفقيهة الملهمة .