الله والفكرة التي لا تُحدّ
منذ أن بدأ الإنسان يرفع رأسه إلى السماء ويتساءل: لماذا أنا هنا؟
ولد السؤال الأكبر الذي لم يخمد منذ آلاف السنين: من هو الله؟
في لحظة التأمل تلك، حين يسكن الضجيج، يشعر الإنسان بشيءٍ يتجاوزه، قوة لا تُرى، لكنها تُشعره بأن كل هذا الاتساق في الكون ليس صدفة.
الكواكب التي لا تتصادم، والأزهار التي تفتح في دقّة زمنية، والنَفَس الذي يدخل ويخرج دون إذنٍ مسبق ، كلها تهمس باسمٍ واحدٍ لا يُنطق عبثًا: الله.
الفلاسفة حاولوا أن يقتربوا من الله بالعقل، والمتصوفة حاولوا أن يذوبوا فيه بالحب، لكنّ الحقيقة أن الله لا يُدرك بالعقل وحده، ولا يُحدّ بالعاطفة فقط،إنه التجلي الذي يجمع الفكر والروح في لحظة وعيٍ كبرى.
فالله، كما قال أحد الحكماء، ليس فكرة نصل إليها، بل حضور نغيب فيه.
الله ليس إجابة لسؤال، بل سؤال يولّد فينا كل الإجابات.
فكلّ من يسأل “من أنا؟” أو “ما معنى الوجود؟”
إنما يبحث عنه، بطريقةٍ أو بأخرى.
الملحد حين ينكر، إنما يتحدث عن صورةٍ ناقصة لله،والمؤمن حين يخشع، يتحدث عن اللامحدود الذي لا يُرى بالعين،لكن يُحسّ بكل خليةٍ في الكينونة.
ولعل أجمل ما في فكرة الله،أنها لا تحتاج لإثبات بقدر ما تحتاج لصدق التجربة.
فكل إنسان مرّ بلحظة ضعفٍ فأنقذته يدٌ غير مرئية،أو بفرحٍ لم يجد له سببًا ظاهرًا،
أو بنورٍ داخليٍ ينهضه بعد كل سقوط ،ذاك النور هو الدليل الذي لا يحتاج إلى منطق.
الفلاسفة اختلفوا:
هل الله هو العلة الأولى، أم الروح التي تسري في الوجود؟
لكنّ القلب ، هذا الكائن العجيب ،يهمس بجوابٍ بسيط:
الله ليس في مكان، بل في معنى الوجود نفسه.
حين تصل إلى هذه الفكرة،لا تعود تبحث عن الله خارجك،بل تراه في كل شيء:
في صمت الجبال، وفي اتساع البحر، وفي الدموع التي تطهّر، وفي النور الذي لا يُرى.
الله في النهاية هو اليقين الذي لا يطلب برهانًا،هو الحضور الذي يملأ الفراغ حين يرحل كل شيء.
يقول الإمام ابن القيم رحمه الله :
الله ينادينا ،ثم يسمعنا ، ثم يحبنا








































