يا بَعيد، أقرَبُ إلَيَّ مِن قُربِ أنفاسي على وَجنَتَيَّ. ها أنا أُجيبُ على سُؤالٍ سَألتَه، وأَغلَقتُ نافِذَةَ الوِصالِ قبلَ أن أَلتَفِتَ لحُضورِك. وأَعلَمُ أنَّك الآنَ تَنصِبُ مَحاكِمَ العِشقِ للشَّكِّ في رَغبَةِ قُربٍ غيرِ مُتبادَلَة، وكَتَبتَ مُسوَّدَةَ الاتِّهامِ بِغَضَبِ المُراقِبِ للذَّهاب. وإنِّي أرى نَفسي نافِدَةَ الصَّبرِ لِتَقفِزَ مِن نافِذَةِ غِيابِك. أُخبِرُكَ حَقيقَةً تُؤذِي قَلبي الَّذي يَخافُ تَوَسُّمَ الحُبِّ والتَّفاجُؤَ بالتَّعلُّق، وتُرهِقُ عَقلَك الَّذي عَرفتُهُ يَرى الصُّورَةَ كامِلَة، والآنَ يَنظُرُ إلَيَّ نَظرَةَ جَلّادٍ مُتأهِّبٍ لِتَنفيذِ العُقوبات.
يا حَياة، اِسمَعْ ما تَرفُضُ سَماعَه. أنا عَرفتُكَ بَيتًا يَقِفُ مُتأهِّبًا لِكُلِّ عِناقٍ مُحتَمَل، مُتَلهِّفًا. تَكسو جُدرانَكَ بالشُّموعِ ومَعسولِ الكَلامِ كما حَلِمتُ دومًا، فأذوبُ في حُضورِك، وأُصَوِّبُ كُلَّ خُطواتي إلَيك. تَفتَحُ أبوابَكَ أمامَ رُوحي الَّتي تَهرُولُ إلَيكَ فَرِحَة. "عِندي بَيتٌ يَعرِفُ التَّبَسُّم.. يُجيدُ الحُضن." بَينَنا تآلُفٌ كَراقِصِ تانغو يُوجِّهُ حَرَكاتِ شَريكتِه بِعَينَيه، وهي تُجيدُ قِراءَتَه. نَرسُمُ لَوحَةَ قَلبٍ دَبَّت فيهِ الحَياةُ بَعدَ ذُبول، واحتَفَظنا بوَصفَةِ السَّعادَةِ في قَدَحِ قَهوةٍ مُتَبادَلٍ صُوَرُه.
وأَعلَمُ أنَّكَ رَأيتَني شَجَرَةَ اتِّكاءٍ تَركَنُ جُدرانَكَ علَيها ثُمَّ تَتَهَنَّد. أَتَتَنَهَّدُ شَوقًا؟ أَم أنَّ سَفينَتَكَ لا تَجِدُ مِرسَاها إلَّا فَوقَ كَتِفي؟ كُلُّ مَرَّةٍ سَأَلتُ نَفسي: ماذا لاقى هذا الرَّجُلُ لِيَتَّكِئَ على شَجَرَةٍ رَكَضَت إلَيهِ تَختَبِئُ بَينَ جُدرانِه؟ وسَأَلتُكَ مِرارًا: هل عِندي شيءٌ تُكمِلُ نَواقِصَ أَعمِدَتِكَ بِه؟ وكانت إِجابتُكَ قَطعِيَّة: "لا". أمَّا الآن، فكُلُّ شيءٍ يَذهبُ أَدراجَ الرِّيحِ على مَرأى ومَسمَعِ القَلبِ قبلَ العَين. أنا، يا حُبّ، تائِهَةٌ بَينَ بُنيانِكَ. تَفتَحُ أبوابَكَ فأَركُضُ إلَيك، تَسقُطُنا قُوَّةُ تَماسُكِكَ أَمامَ ارتِطامِنا، وبَعدَما كُنتَ لا تَتزَحزَحُ إن جِئت، الآنَ تَهتزُّ الأرضُ مِن تَحتِ قَدَمي كُلَّ مَرَّةٍ التَقَينا. وإن سَأَلتَ ما السَّبب، تَقول: "عِندي أَعمِدَةٌ ناقِصَة، أُريدُ الاتِّحادَ مَعَكِ لأَكتَمِل." الآنَ ظَهَرَتِ النَّواقِصُ بَعدَما رَأيتَ فيكَ سَكَني وسَكينَتي!
**لا أَلومُكَ، أَعرِفُ أنَّني رُكنٌ مِن ضِلعِكَ، لا تُخفي ضَعفَكَ أَمامَه. لكِنَّكَ لا تَرى حَيرَتي وأنا أُحاوِلُ الخُروجَ مِن مُتاهَةِ البُعدِ بِشَرحِ نَفسي. أُريدُ أن أُغادِرَ جُدرانَكَ، أَقِفَ مَرَّةً أَمامَكَ لِتَرى شَوقي لِعِناقِ أَرضٍ لا تَميد، ومَرَّةً أُخرى أَنظُرُ إلَيكَ مِن عُلوٍّ أَستَطلِعُ أَيَّ عَمودٍ بِكَ لا يَحمِلُكَ لِأُرَمِّمَه. ذاكَ التَّآلُفُ، أَتَذكَّرُه؟ أُريدُه.. أُريدُنا.
فَإن كُنتَ تَسأل: لِمَ تَركتُكَ هكذا؟ تَركتُكَ لأنَّكَ جِئتَ بَعدَ انتِظارٍ ظالِم، رافَقَهُ بُكاءٌ كانَ لِزامًا عَلَيكَ مَحوُ دُموعِه، لا الهُجوم. حاوَلتُ أن أَفتَحَ أَبوابَكَ، بابًا تِلوَ الآخَر، فَسَدَدتَهُم في وَجهي. حتّى نَوافِذَك، أَغلَقتَها على قَلبي وأنا أَتَسَلَّلُ إلَيك. تَقول: "لا بَأس، ما حَدَثَ خَيرًا." وعِندَما أَمَرتَني بالذَّهاب، وَرَّدتَ قَلبي مَكسورَ الثِّقةِ في حُبِّك. قُلتَ لَهُ ما أَراد، وفَورَ تَلاشِي ظِلِّي نادَيتَ تُعاتِبُ الذَّهاب.
يا حَياة... ما رَأيتُ ظُلمًا كَشَرحِ العاشِقِ لِنَفسِه، العاشِقُ يُرى، لا يُسمَع.





































