الفصل التاسع
ظلت عائشة عدة أيام بلا طعام؛ حتى سقطت مغشيا عليها، أفاقت لتجد حولها جاكلين ووالدتها، بكت وأشاحت بوجهها بعيدا، لم تعد تريد أحدا، نوبة اكتئاب شديدة حلت بها، تذكرت أحمد لم يكلف نفسه اتصالا واحدا ليطمئن عليها، أحبته وضاعت بسبب تفكيرها فيه وأحلامها به، خسرت كل شيء، وضاع حلمها في دخول كلية الفنون الجميلة، وكادت تخسر حياتها، لكن أي حياة، لم يعد هناك أمل واحد تعيش من أجله!
ربتت جاكلين على يدها بحب، وكأنها تقول لها، أنا هنا معكِ فكوني قوية!
أغمضت عائشة عينها وحاولت أن
تبعد عن فكرها الألم والحسرة،
رن هاتفها فقامت بلهفة تتساءل عن ماهية المتصل، قلبها يود لو كان أحمد، لكنها خالتها تطمئن على صحتها. غرقت مرة أخرى في بحر من الحزن والخذلان!
في مرسى مطروح ما زالت ندى تعاني من حيرتها وحزنها على خالد، وبينما ذهبت سناء لتقابلها، جلس خالد مع سلمى وهناء ووالدهما، تعالت ضحكات هناء وهي تردد لن تكف ندى الورد عن مهاجمة الرجال، كانت تقرأ أخر خاطرة كتبتها ندى على جدار مدونتها الإلكترونية، هنا تدخل خالد قائلا:
-أتابع صفحتها منذ فترة، كتاباتها تمس القلب، ولكن أي هجوم؟! لم افتح النت منذ أسبوع!
هنا مال والد سلمى على صديقه هامسا:
- هل تعلم أن ندى الورد هي ندى صديقة سناء، كانت نفس دفعتنا! ندى علي، هل تذكرها؟
هز خالد رأسه متعجبا:
-ندى علي! نعم أتذكرها، لم أكن أعلم أنها هي ندى الورد، اللهم بارك، كتاباتها رائعة.
هنا جاء اتصال لسلمى من صديقتها ناريمان، تصرخ وتبكي، سمعتها سلمى ثم أجهشت في البكاء، ووضعت يدها على وجهها، أمسك والدها الهاتف وضمها لصدره في حنان، وظلت هناء تردد:
-سلمى، ماذا حدث لناريمان؟!
قالت سلمى من بين دمعاتها: تم القبض على الفتاة التي كانت تهدد ناريمان وهى خائفة جدا، أنها ضحية لم تكن تعرف ماذا تفعل! هل ستُسجن ناريمان يا أبي؟
ربت والدها على كتفها وقال بصوته الرصين الهاديء:
-لا تخافي يا سلمى، لن يُقبض عليها بأذن الله، المجرم سيُعاقب وهي ضحية لن يصيبها ضرر، المهم ألا تعود لما فعلت وتفهم خطأها.
بعد وصولهم مرسى مطروح، قصت سلمى على والدها ما حدث مع ناريمان ثم استشار خالد في الأمر، وهو أبلغ صديق في الشرطة عن المجرمين الذين يضللون الفتيات، مستغلين سذاجتهن وصغر سنهن.
كما كتب خالد مقالا ثم نشره على حائط مدونته بمواقع التواصل وطلب من الجميع قرأته:
"المسلسلات التليفزيونية، الاعلام الفني الممنهج، مدرسة لدمار المجتمع تجد في هذه الأفلام الهابطة تلك النماذج:
- ﻫﻲ ﺗﻤﺎﺭﺱ ﺍﻟﺰﻧﺎ، ﻷﻥ ﺃﻣّﻬﺎ ﻣﺮﻳﻀﺔ ﺃﻭ ﻷﻥ ﺍﻟﻈﺮﻭﻑ ﺩﻓﻌﺘﻬﺎ ﻟﺬﻟﻚ.
- ﻫﻲ ﺗﺨﻮﻥ زوجها؛ ﻷﻧﻪ ﺃﻛﺒﺮ ﺳﻨﺎً ﻣﻨﻬﺎ ﺃﻭ ﻷﻧﻬﺎ ﺗﺰﻭﺟﺖ ﻣﻨﻪ غصبا.
- ﻫﻲ ﺗﻌﺼﻲ ﻭﺍﻟﺪﻳﻬﺎ ﻭﺗﻬﺮﺏ ﻣﻊ ﻋﺸﻴﻘﻬﺎ؛ ﻷﻥ ﺍﻟﺤﺐ ﺃﻗﻮﻯ ﻣﻦ ﻛﻞ ﺷﻲﺀ.
- ﻫﻲ ﺗﺨﺘﻠﻲ ﺑﺤﺒﻴﺒﻬﺎ ﺩﻭﻥ ﻋﻠﻢ ﺃﻫﻠﻬﺎ وتسلم ﻧﻔﺴﻬﺎ ﻟﻪ ﺑﺪﻭﻥ ﺯﻭﺍﺝ؛ ﻷﻧﻬﺎ ﺗﺜﻖ ﺑﻪ.
- ﻫﻮ ﻋﺎﻕ ﻷﺑﻴﻪ؛ ﻷﻥ أباه ﻟﻢ ﻳﻬﺘﻢ ﺑﻪ ﻓﻲ ﺻﻐﺮﻩ.
ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺸﺨﺼﻴﺎﺕ ﺗﺘﻜﺮﺭ ﻛﺜﻴﺮﺍً ﻓﻲ المسلسلات، والهدف ﻣﻨﻬﺎ ﺇﺣﻼﻝ ﺍﻟﺤﺮﺍﻡ ﻭﺍﻟﺒﺤﺚ ﻋﻦ ﻣﺒﺮﺭﺍﺕ ﻟﻪ، ﻓﻴﺠﻌﻠﻮﻥ ﺍﻟﻤُﺸﺎﻫﺪ ﻳﺘﻌﺎﻃﻒ ﻣﻊ ﺍﻟﻤﺠﺮﻡ ﻭﺍﻟﺴﺎﺭﻕ ﻭﺍﻟﺰﺍﻧﻴﺔ ﻭﺍﻟﻌﺎﻕ ﻟﻮﺍﻟﺪﻳﻪ، ﻷﻥ ﺍﻟﻈﺮﻭﻑ ﻭﺍﻷﺳﺒﺎﺏ ﺩﻓﻌﺘﻬﻢ ﻟﺬﻟﻚ.
ﻓﻼ ﻏﺮﺍﺑﺔ ﺃﻥ تُهدم ﺍﻟﺒﻴﻮﺕ ﻭﺗﻀﻴﻊ ﺍﻷﺧﻼﻕ ﻭﻳﺤﻞّ ﺍﻟﻨﺪﻡ، والسبب هذه القنوات والتساهل في مشاهدتهم .
قال تعالى:
( إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ۚ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ).
هذه قنوات تضيع الوقت وتصنع الدياثة في بيوت المسلمين ".
أثناء جلوسهم على الشاطئ، تلقى خالد اتصالا من والدته تخبره أن زوجته ستضع مولوده الآن، فاستأذن من الجميع وأخبرهم أن عليه السفر حالا.
تنفست ندى الصعداء بعد علمها بسفره، فقد هاجمتها جميع ذكريات الماضي وبعثت في نفسها الحزن والألم، وجعلت قلبها ممتليء ببعض الثقل.
أما آلاء فقد أدت امتحان الدور الثاني لمادة الفيزياء وتنتظر النتيجة بفارغ الصبر مع خطيبها الذي حدد موعد الزفاف مع الأهل .
مرت أسابيع بحلوها ومرها، تقدم الطلاب والطالبات بتظلمات على نتيجتهم ودفعوا المال الكثير مقابل ذلك دون جدوى. وظهرت نتيجة التنسيق العام والتنسيق الخاص بالجامعات الأهلية والخاصة- التي اضطر الكثير الالتحاق بها بسبب ضعف الدرجات- وعلم كل طالب وطالبة أي جامعة سيلتحق بها، وحاول الجميع تقبل الأمر والرضا بقدره، والسعي إلى الإنجاز فيما كتب الله له!
اجتمعت الصديقات يودعن بعضهن في حفل صغير في منزل سلمى، كل منهن ستلتحق بجامعة مختلفة وسيتفرق الجمع، تلك هي سنة الحياة، لقاء ثم فراق، تعاهدن على الاجتماع كل فترة فلن تضيع صداقة سنوات هكذا، وسيكون التواصل مستمر طوال العمر بأذن الله.
في الجامعة، وقفت سلمى على باب كلية الأداب تتأمل الاسم الذي حلمت به، كانت مضطربة قليلا، فاليوم ستبدأ حياة جديدة، شعرت بغربة لعدم وجود أي صديقة معها، كادت الدموع تسقط من عيونها، لكنها وجدت ندى تربت على كتفها، فضمتها بفرح وسعادة، كأنها وجدت نفسها واطمأنت، جاءت ندى لتكون مع سلمى فسوف تكمل دراستها في نفس المكان ونفس القسم-علم النفس- فقد عشقت هذا التخصص وخاصة بعد ذهابها للطبيب النفسي وقراءتها العديد من الكتب، فهي تأمل أن تصبح استشارية نفسية ذات يوم، تبادلا الحديث ثم توجهت مع سلمى لقاعة المحاضرات وكانت المفاجأة أن خالد زين الدين هو المحاضر:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أولا: نرحب بالطلاب الجدد، وعام دراسي سعيد وموفق ثانيا:
الكثير أغضبته درجات الثانوية العامة، وألتحق بالكلية هنا حسب توزيع التنسيق ودون رغبته، ما أود قوله، أن الحياة عبارة عن مجموعة من التجارب الممتزجة، وحتى أن فشلت تجربة فورقة امتحان الحياة مازال بها الكثير من التجارب والتي قد يظهر أمامك أنها صعبة العبور ولكن عوض الله يجعلك تعبر منها بفضل صبرك واحتمالك ورضاك بقدر الله، وفي نهاية هذه التجارب تشعر أن فشل البعض منها ما كان سوى بلطف الله، وأنه قد اختار لك الأفضل والمناسب لك ما دمت سعيت بدون تقصير، الكثير منا لم يختار نصيبه في هذه الحياة ولكن من رضي فله الرضا. أحسِنوا استقبال قدر الله واختياره فالدنيا مليئة بسعداء ليسوا مهندسين وأطباء.
انتهت المرحلة الثانوية! بحلوها، ومرّها! كانت محطة رائعة من المحطات الدراسية التي مررت بها. ذهبت بلا عودة وأهدت للجميع رسالة واحدة خطّت فيها، والآن مرحبًا بك في رحاب الجامعة حيث ستقضي أروع أربع سنوات في حياتك!
ولكي تعبروا مرحلة الجامعة بنجاح أنصحكم بقرأت كتاب "عشرة أشياء تمنيت لو عرفتها قبل دخولي الجامعة" تأليف الدكتور ياسر عبد الكريم بكار، يطرح الدكتور من خلاله بعض النصائح للطلبة المقبلين على المرحلة الجامعية باعتبارها مرحلة انتقالية ومصيرية. ويوضح أن بناء مستقبلك العملي يبدأ من اليوم الأول لك في الجامعة.
واستطرد خالد قائلا: الكتاب موجود للتحميل على النت. لا زلت أذكر جيّدا كيف حزنت بشدة عندما قرأت الكتاب بعد تخرجي من الجامعة، فلم ينصحني أحد به.
أنه بمثابة تهيئة نفسيّة للحياة الجامعيّة، لذا وجب عليا النصح به والاستفادة منه.
تنهدت ندى، فما هربت منه وجدته أمامها، كانت منبهرة بحديثه، أسلوبه وكلامه، هامت في عالم الخيال ثم قالت هامسة:
"لو كنت جئت باكرا لبدأنا من جديد! لكنك جئت متأخرا بعد اكتمال الطريق!"
والآن عليها أن تواجه قدرها، وجود خالد أصبح أمر واقع ولا مفر منه، في نهاية المحاضرة أشار خالد إلى سلمى فجذبت ندى من شرودها، وذهبت لمحادثته، فجأة وجدت ندى نفسها أمامه وجها لوجه، تلعثمت في الكلام وهي التي تتسم باللباقة والحديث العذب وكأن الكون توقف عند تلك اللحظة، عندما حياها باسمها كادت تفقد الوعي، لكنها حاولت التماسك والرد بثبات، علمت من كلامه أنه حصل على دكتوراه في علم النفس، وسيحاضر هنا بعض المحاضرات.
خرجت ندى بمشاعر مبعثرة، فرح وحزن، ألم وأمل، خوف وأمان، لا تدري ماذا حدث لها!
أنشا خالد زين الدين مجموعة للطلاب والطالبات وأضاف الجميع من خلال بياناتهم بالملف وبعد ساعات وجدت ندى منه رسالة!









































