من أفزعك؟
من دخل عالمك كما يدخل خريفٌ صامت، يحرك أوراق روحك الهشة، يثير الريح بين مخاوفك، ثم يختفي، تاركًا خلفه صمتًا ثقيلًا يتدحرج على جدران القلب، كأن كل شيء كان معلقًا هناك ينتظر أن يُمزّق.
ومن أحزنك؟
من مرّ كنسيمٍ خفيف على نافذتك في ليلة شتاء مظلم، لمس قلبك كما يلمس المطر صفحةً قديمة مهجورة، ثم اختفى، تاركًا صوت دموعك الخفية يتردد في أرجاء الروح، بلا نور، بلا دفء، بلا عذر.
أسئلة صغيرة، لكنها كغرف مظلمة ممتدة إلى الأبد، كل زاوية فيها تحمل صدى خطواتهم، همس كلماتهم، وبقايا وجودهم التي لم تُمحَ.
كل نظرة، كل لمسة، كل صمت، كأن العالم كله يتجسّد في مساحة صغيرة بين قلبك وذاكرتك.
ربما لا نعرف الإجابة،
لكن أثرهم محفور في كل حركة، في كل خطوة، في كل نبضة صامتة.
كأن جزءًا منهم بقي معلّقًا بيننا وبين أنفسنا،
جزء يعلمنا أننا لا نملك السيطرة على من نحب،
لكننا نستطيع أن نحمله معنا، أن نفهمه، أن نكبر به،
كما يكبر نور في غرفة مظلمة، تدريجيًا، بلا استعجال.
وفي النهاية، السؤال الحقيقي يصبح أعمق:
ليس من أفزعنا أو أحزننا، بل كيف نواجه أنفسنا بعد كل ذلك؟
كيف نبني من الألم والفزع حضورًا جديدًا، حضورًا يجعلنا نكون نحن:
نحمل الظل والنور معًا، بلا أقنعة، بلا مبالغة في الحزن،
فقط صادقين مع ما نشعر،
مع ما تركوه في قلوبنا، مع كل نافذة صغيرة في أعماق الروح أصبحت تُطل على فهم أعمق للحياة، للنور، للظل، ولقدرتنا على الحب رغم كل شيء.