آخر الموثقات

  • قصتان قصيرتان جدا 
  • سأغير العالم
  • كيف تعلم أنك وقعت في الحب؟
  • التأجيل والتسويف
  • فأنا لا انسى
  • احترام التخصص
  • 2- البداية المتأخرة لرعاية الفنون والآداب
  • يعني إيه "الاحتواء"؟
  • يا عابرة..
  • رسائل خلف السحاب
  • صادقوا الرومانسيين
  • ربي عيالك ١٠
  • من بعدك، كلامي بقى شخابيط
  • إيران من الداخل بعد الحرب.. 
  • معضلة فهم الحرب على إيران
  • نصر سياسي ايراني
  • قصة قصيرة/ وصاية الظل
  • ق ق ج/ سرُّ الشجرة والقوس
  • قليل من الحياة
  • حين كنت تحبني سرآ
  1. الرئيسية
  2. مركز التـدوين و التوثيـق ✔
  3. المدونات الموثقة
  4. مدونة محمد كافي
  5. أم البنات .. قصة محمد كافي

توقفت حافلة أحد مصانع الملابس في صباح يوم حار أمام إحدى بوابات المصنع و هبطت منها العاملات متوجهات إلى غرف تغيير الملابس و بعضهن تحمل شطائر الإفطار المعتادة ..

كانت " سعاد " و هي امرأة في بداية العقد السادس من عمرها تستمع ضاحكة لحديث " رباب " زميلتها بالعمل ذات الثلاثين ربيعاً ..و التي تبدأ يومها دائما بحديثها المضحك عن زوجها و أبناءها و المواقف التي تدور بينهم .. فتضحك سعاد من طريقة حديثها التي تمنحها بعض البهجة في بداية يومها الشاق ..

تعمل سعاد يوميا بلا هوادة منذ أن اختطف الموت زوجها في حادث قبل عشرين عاما تاركا لها طفلتين .. فقررت ألا تترك ألم الحياة ينال من صغيرتيها .. و أصرت أن تصبح لهما أبا و أما لتتكفل بتكاليف الدراسة و الحياة .. و وهبت عمرها و صحتها في سبيل ذلك ..

لم تستطع أن تتزوج خوفاً من أن يأتي من لا يراعي الله في ابنتيها .. و أن تكون سببا في شقاءهما بدلاً من إسعادهما .. و في النهاية استطاعت بفخر أن تزوج ابنتها الكبرى لشاب صالح .. و لم يتبق من عهدها إلا تزويج ابنتها الصغرى التي أوشكت على أن تنتهي من دراستها الجامعية ..

ابتسمت و هي تفكر في تلك الأمور أثناء عملها .. كم سيكون مبهجاً أن تحقق حلمها في نهاية الأمر .. لتستطيع أن تنظر لصورة زوجها و تخبره أنها حفظته و حفظت بيته و فتاتيه .. لتخبره أنها لم يتبق لها من حلمها سوى أن تلتقيه في الدار الآخرة ..و قد أنجزت مهمتها و أدت رسالتها في الحياة .. الحياة التي لم تكن لها سوى دار القسوة و الألم .. و لم يصبها من المتعة و الراحة سوى تلك الفترة التي قضتها مع زوجها رغم دخله المحدود .. و أصبحت بهجتها مختزلة بعد ذلك في كل ابتسامة على شفاه الفتاتين .. كل نجاح تحققانه .. كل سعادة تكون سعاد خلفها .. أنتجتها من الألم ..

 انتزعها من حلمها صوت " عابد " مشرف العمال : سعاد !! .. أريدك بحجرة مكتبي الآن ..

استبد بها القلق بعدما سبقها لحجرة مكتبه .. و تبادلت نظرة قلقة مع رباب قبل أن تلحق به .. دلفت إلى الحجرة و اغلقت الباب خلفها و دعاها للجلوس قبل أن يقول : أنتِ تعملين بالمصنع منذ فترة طويلة .. طيبة السيرة و حسنة السلوك .. و تعملين بجد و اجتهاد ..

فتساءلت في قلق : أشكرك جزيلا .. و لكن ما الأمر ؟!

قال في تردد : سيصدر قرار اليوم بخصوص بعض العاملين و العاملات بالمصنع .. و لكني أحببت أن أطلعك عليه قبل الجميع ..

تعلقت عيناها به في تساؤل دون أن تنبث بكلمة فاستطرد في أسف : سيتم إعفاء البعض من مهامهم ممن تجاوزت أعمارهم الخمسين عاما حفاظا عليهم من مشقة العمل ..

شعرت سعاد بالصدمة و هي تقول : ماذا ؟! كيف هذا ؟ .. لم أشتك أبدا لأحد .. لم أقصر في عملي يوما .. كيف تستطيع فعل هذا بي ؟

قال عابد محاولا تهدئتها : لم يكن أبدا قراري .. الإدارة العليا ترى أن يتم استبدالكم بالأصغر سنا .. حفاظا على كفاءة العمل ..

فقالت و الدموع تختنق في عينيها : لدي ابنة أنا كل ما لديها .. بربك انها في عامها الأخير بالجامعة .. كيف سأطعمها حتى ؟ . أرجوك تحدث إليهم من أجلي .. لقد حاربت سنوات كي أحفظ لصغيرتيّ مستقبلهما .. لا تهدم ما دفعت من عمري لبناءه .. أتوسل إليك ..

قالت جملتها الأخيرة و هي تلقي بنفسها عند قدميه متوسلة .. فعاجلها بمساعدتها على النهوض و هو يقول : لقد حاولت بالفعل كثيرا منذ أن علمت أنك من ضمن من سيتم اعفاءهم من العمل .. تحدثت مع كل شخص و كانت القرارات نهائية للأسف .. لكن سيتم صرف مبلغ بسيط كمكافأة نهاية الخدمة لكل شخص ..

قالت و خيبة الأمل تعتصرها : مبلغ بسيط؟ مكافأة ؟ إنها طعنة أكثر منها مكافأة يا سيدي ..

ربت على كتفيها قائلا : آسف جدا .. أنتِ سيدة مؤمنة .. و بالطبع تعلمين أن أحدا لا يستطيع منع رزقك أن يصل إليك ..

خرجت سعاد و هي تشعر أن ألم كل الأعوام التي مضت قد حل بها .. حاولت رباب أن تهون عليها بلا فائدة .. لم تستطع التحمل و سقطت مغشيا عليها ..

في المستشفى لم تستطع أن تخبر ابنتيها الباكيتين بالأمر .. ظلت صامتة فيما قالت الإبنة الكبرى و هي تحمل طفلها الرضيع : ما الذي يحزنك لهذه الدرجة يا أمي ؟ أخبرينا بالله عليكِ

فقالت في هدوء : لا شيء .. إنه إرهاق العمل لا أكثر ..

فقال زوج ابنتها الكبرى : هوِّني على نفسك يا أماه .. لا شيء يستحق إهدار صحتك ..

فنظرت لابنتها الصغرى فشعر الرجل بأنه أخطأ فقال: سأذهب لأشتري طعاما و سأعود بعد قليل .

و قالت زوجته و هي تنهض معه : سأذهب معك لشراء بعض الإحتياجات لأمي .

و خرجا قبل أن تقول الإبنة الصغرى لأمها و هي تبكي : الله معنا دائما يا أمي .. لم يتركنا و لن يتركنا .. أنا أشعر بكِ .. لكن رؤيتك في صحة هي أغلى عندي من كل شيء في العالم .. لا تنهاري من أجلي لأنني سأهلك لو حدث ذلك ..

جذبتها سعاد إلى حضنها و هي تقول : لا تقولي ذلك يا ابنتي .. انا بخير ما دمتم بخير جميعا .. سيجبرنا الله دائما .. أنا فقط ...

لم تحتمل سعاد شعورها بالخذلان فبكت .. فربتت على خدها ابنتها و هي تقول : أمي لا تبكي ..

فاستطردت سعاد : أنا فقط أشعر بالتعب يا صغيرتي .. لا استطيع احتمال أن يقيلوني من عملي .. لقد رضيت بكل هذا الألم من أجلكما فقط لأنكما كل سعادتي فعلا .. و كما ارتاح قلبي من أجل أختك الكبرى وددت أن أكون بجانبك حتى تحقيق حلمك .. لا أريد أن أخذلك هكذا كما خذلني العالم .. لا أستطيع يا صغيرتي .

و انسكبت دموعهما معا و ابنتها تقبل يديها و تقول : من ذا الذي يشعر بالخذلان و لديه أم مثلك ؟!

إنكِ لأعظم ما عرفت في حياتي يا أماه .. لا تقلقي .. الرزق بيد الله وحده .. لن يقطعه عنا أبدا .. في كل محنة منحة يا أماه .. سيجبرنا الله كما قلتي .

فاحتضنتها سعاد مبتسمة و هي تقول : هو دائما يفعل يا ابنتي .. دائما .

طُرق الباب عدة طرقات قبل أن يفتح و يظهر على أعتابه شاب ثلاثيني العمر , بهي الطلعة , تبدو عليه سمات الأثرياء .. بادرهما بابتسامة و هو يقول " السيدة سعاد أليس كذلك ؟ "

فأجابته سعاد في دهشة : نعم يا سيدي .. من أنت ؟

فدلف إلى الغرفة و هو يقول بابتسامته العذبة : إسمحي لي أن أقدم نفسي .. أنا كريم الزيني .. إبن حسين الزيني أحد شركاء المصنع الذي تعملين به .

صمتت سعاد محاولة إخفاء ألمها بينما قالت ابنتها في حنق : تقصد الذي أقلتوها منه .. بعد كل هذه السنوات من العمل تسببتوا لها في هذا الألم .. ماذا ....

قاطعتها سعاد و هي تقول : مهلا يا ابنتي .. ليست من شيمنا مخاطبة الضيوف بغضب ..

و التفتت إلى الشاب و قالت مبتسمة : أعتذر عن ابنتي يا ولدي .. فهي تتألم من أجلي .. أرجو معذرتك ..

قال كريم و هو يحاول تجاوز الوضع المحرج : لا عليك يا سيدتي فأنا مقدر تماما للموقف الصعب .. و في الحقيقة علمت بخبر الإقالة الذي و إن بدا ظاهريا مؤسف إلا أنه قد سبب لي الفرح و حل لي أزمة .

كادت الإبنة أن تنفجر غاضبة فيه لولا أن الأم قد ضغطت على معصمها برفق و هي تتساءل في دهشة : و كيف لهذا الخبر أن يكون مبهجا يا ولدي ؟

جلس إلى أقرب كرسي و هو يقول : في الحقيقة لقد تعلمت كل ما يخص مجال العمل بالمصنع و سافرت عدة بلدان لأرى ما قد يفيدني في هذا .. و قد قررت منذ أمد أن أقوم بتأسيس مصنع منافس .. و قد قمت بالفعل بالإعداد و التجهيز لكل شيء حتى الماكينات المطلوبة يتم تركيبها و تجربتها في هذه الأيام كي نبدأ العمل قريبا .. و لكن ينقصني العمالة و هو أهم عنصر ..

فقالت سعاد : لا يوجد أكثر من الأيدي التي تحتاج إلى العمل يا ولدي .. و لكن لا أعلم ما علاقة هذا بأمري و من أقيلوا معي ..

فابتسم كريم و هو يقول : الأيدي العاملة تحتاج إلى تدريب .. و لما علمت عن قرار الإستغناء عن خدماتكم هرعت إلى المصنع و حصلت على كشف بأسمائكم .. و لما علمت بما حدث لك قررت البدء بإخبارك ... سيدتي أود أن تكوني و من أقيلوا معك مشرفين و مدربين في مصنعي .. لن يكون عليكم بذل المجهود الذي بذلتموه سابقا كعمالة .. لقد استحققتكم في مراحلكم العمرية هذه أن تتولوا بعض القيادة و أن تقوموا بتوجيه الأصغر سنا للعمل الصحيح .. ستكون رواتبكم مضاعفة عن السابق .. بل بالنسبة إليك ِ سيكون ثلاثة أضعاف السابق بكافة الإمتيازات من تأمين صحي و معاش التقاعد لأن تقرير العمل لخاص بكِ أظهر مدى تفانيك ِ بالعمل .. و يشرفني العمل معك ِ سيدتي ..

علت البسمة و السعادة وجه الأم و ابنتها التي احتضنتها ضاحكة و هي تقول : ألم أخبرك يا أمي .. الله كريم جدا .

فقالت الأم و عينيها دامعتين من الفرح : الحمد لله .. لا أعرف كيف أشكرك يا ولدي حقا .. لا تعرف ماذا فعلت اللآن بي ..

فقال كريم مبتسما و هو ينهض : لا شيء يا أمي .. الله هو من يسوق الرزق لعباده .. و ما علينا سوى أن تملأ الإنسانية قلوبنا فقط ..

و ابتسم بإعجاب للفتاة و هو يقول : علمت أنك في السنة النهائية من الدراسة الجامعية .. هناك وظيفة إدارية بانتظارك .. و لو لديك ِ بعض الوقت أتمنى أن توافينا للتدريب مقابل أجر بالطبع حتى تنهي دراستك ..

فشعرت الفتاة بفرحة ألجمت لسانها و التفتت إلى أمها التي قالت في سعادة : بارك الله فيك يا ولدي حقا .. لقد جبر الله قلوبنا بك .

فقال كريم مبتسما : سيكون كل من في مصنع فرد في عائلة أنشأناها معا .. هذا ما أتمناه حقا ..و لا مجال للطبقية و التعسف .. أترككما الآن في رعاية الله ..

و قبل أن يخرج من الباب التفت إليهما مستدركا : بالمناسبة .. تم دفع حساب المستشفى بالكامل و التكفل بكل شيء إلى أن نلتقي قريبا إن شاء الله .. و سأكون على تواصل معكم دائما ..

و قبل خروجه ابتسم بإعجاب مرة أخرى إلى الفتاة التي علت وجهها حمرة الخجل بينما لاحظت الأم ذلك و نظرت إليها مبتسمة فقالت الفتاة في خجل : ماذا يا أمي ؟

فضحكت سعاد قائلة و هي تربت على كتف ابنتها : لا شيء يا صغيرتي سوى أنني أرى أكثر مما تمنيت يوما يتحقق أمامي .. كل ابتلاء من الله فيه لطف خفي .. و منحة ترضي القلب بأكثر مما رغب يوما .. الحمد لله ..

***تمت***

 

 

 

إحصائيات متنوعة مركز التدوين و التوثيق

المدونات العشر الأولى طبقا لنقاط تقييم الأدآء 

(طبقا لآخر تحديث تم الجمعة الماضية) 

الترتيبالتغيرالكاتبالمدونة
1↓الكاتبمدونة نهلة حمودة
2↓الكاتبمدونة محمد عبد الوهاب
3↑1الكاتبمدونة محمد شحاتة
4↓-1الكاتبمدونة اشرف الكرم
5↓الكاتبمدونة ياسمين رحمي
6↓الكاتبمدونة حاتم سلامة
7↓الكاتبمدونة حنان صلاح الدين
8↑1الكاتبمدونة آيه الغمري
9↑1الكاتبمدونة حسن غريب
10↓-2الكاتبمدونة ياسر سلمي
 spacetaor

اگثر عشر مدونات تقدما في الترتيب 

(طبقا لآخر تحديث تم الجمعة الماضية)

#الصعودالكاتبالمدونةالترتيب
1↑31الكاتبمدونة فاطمة الزهراء بناني203
2↑22الكاتبمدونة مها اسماعيل 173
3↑14الكاتبمدونة مرتضى اسماعيل (دقاش)205
4↑11الكاتبمدونة منال الشرقاوي193
5↑5الكاتبمدونة كريمان سالم66
6↑5الكاتبمدونة خالد عويس187
7↑4الكاتبمدونة نجلاء لطفي 43
8↑4الكاتبمدونة غازي جابر48
9↑4الكاتبمدونة سحر حسب الله51
10↑4الكاتبمدونة نهلة احمد حسن97
 spacetaor

أكثر عشر مدونات تدوينا

#الكاتبالمدونةالتدوينات
1الكاتبمدونة نهلة حمودة1079
2الكاتبمدونة طلبة رضوان769
3الكاتبمدونة محمد عبد الوهاب695
4الكاتبمدونة ياسر سلمي655
5الكاتبمدونة اشرف الكرم576
6الكاتبمدونة مريم توركان573
7الكاتبمدونة آيه الغمري501
8الكاتبمدونة فاطمة البسريني426
9الكاتبمدونة حنان صلاح الدين417
10الكاتبمدونة شادي الربابعة404

spacetaor

أكثر عشر مدونات قراءة

#الكاتبالمدونةالمشاهدات
1الكاتبمدونة محمد عبد الوهاب333886
2الكاتبمدونة نهلة حمودة189817
3الكاتبمدونة ياسر سلمي181407
4الكاتبمدونة زينب حمدي169737
5الكاتبمدونة اشرف الكرم130960
6الكاتبمدونة مني امين116779
7الكاتبمدونة سمير حماد 107786
8الكاتبمدونة فيروز القطلبي97877
9الكاتبمدونة مني العقدة94995
10الكاتبمدونة حنان صلاح الدين91732

spacetaor

أحدث عشر مدونات إنضماما للمنصة 

#الكاتبالمدونةتاريخ الإنضمام
1الكاتبمدونة رهام معلا2025-06-29
2الكاتبمدونة حسين درمشاكي2025-06-28
3الكاتبمدونة طه عبد الوهاب2025-06-27
4الكاتبمدونة امل محمود2025-06-22
5الكاتبمدونة شرف الدين محمد 2025-06-21
6الكاتبمدونة اسماعيل محسن2025-06-18
7الكاتبمدونة فاطمة الزهراء بناني2025-06-17
8الكاتبمدونة عبد الكريم موسى2025-06-15
9الكاتبمدونة عزة الأمير2025-06-14
10الكاتبمدونة محمد بوعمامه2025-06-12

المتواجدون حالياً

850 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع