أجلس الآن وقمري يجاورني..
لا أعلم كيف يحتمل ثرثرتي الصامتة.. وتحديقي الدائم فيه..
كيف يستطيع المرء أن يتمالك رباطة جأشه بينما تلاحقه عينا عاشقه؟
لم يبق لي منك سوى نغمة صوتك.. وبعضٍ منك حوته صورتك.. ووعدٍ قطعته لي..
وكعهدي بكل الوعود..
لم تقدر على أن تفي به..
رغم أني رجوتك كثيرًا ألا تقطعه..
لم تبذل أي جهدٍ منك..
آثرت أن تبتعد.. وتتركني..
لم تحاول أن تفسر أحجية انسحابي..
وغموضي الذي رغم بساطتي يكتنفني..
لا تعرف معنى أن يخذلك الجميع فتعيش أسير خوفك.. وذكرياتك.. وآلامك..
فتبادر بالابتعاد حفاظًا على ما تبقى منك..
كنت أعرف تلك النهاية جيدًا.. لذلك لطالما نهيتك أن تعدني بما لا تملك.. ولا تعلم عنه شيئًا..
لقد صرت رفات امرأة.. سرقوا منها حياتها في غمرة انشغالها ببناء حياتهم..
تخيل حجم تلك المسؤولية التي وعدت باعتناقها وأنت لا تعرف عني شيئًا!
تخيل أن تأتيك إنسانة مجروحة.. خذلها الجميع حتى لم تعد تميز من صادق الود وآخر زائف متصنع له!
امرأة فقدت الثقة في كل من حولها.. حتى في قلبها الذي سمح بسذاجته أن يتذوق مرارة الخديعة.. ويتجرع كأس الخذلان..
ولكن..
لا تثريب عليك.. أعلم أنني لا أطاق..
فلا طاقة لأحد بتقلباتي وكآبتي وعزلتي ونوبات جنوني..
فقط..
دعني ما بين الحين والآخر أطرق بابك لأطمئن عليك..
واعذر لهفتي حين تسبق عقلي إلى لساني.. فأسألك..
هل كنت صادقًا حقًا حينما ادعيت حبي؟!
هل تفتقدني؟!
هل تشعر بغيابي؟!
هل تقضي بعضًا من وقتك تداعب بخيالك خيالي؟!
هل تشعر بي وبألمي؟!
هل تشعر بوحدتي حين أحتضن وسادتي وأتأمل اللا شيء حتى أنام متعبة وقد فقدت هويتي ومشاعري وقبلهم كل آمالي؟
أتعلم أنك رفيق أحلامي؟ وبطل مخيلتي؟
فقط في نومي.. فما زال هناك ثمة نبضٍ لم تخب جذوته..
رغم أن يقظتي فقدت كل النبض والمشاعر والخيال..
هانت في عيني كل الحياة.. صارت لا قيمة لها ولا معنى..
حتى الألم.. صار بلا ألم..
أردد مع كل وخزة جديدة:
"لن تكون أكثر ألمًا مما عايشت.. ولن تكون أشد وقعًا مما شعرت"
صار الموت عندي والحياة سواء..
ليس يأسًا.. ولكنني فقدت الوجهة والهدف والدافع..
أرجوك سامحني على ثرثرتي..
ولكنها الشيء الوحيد الذي أصبحت أملكه.. وأتقنه..
لن أطالبك بالمجيء..
وإياك أن تنثر علي المزيد من الوعود ولا الآمال..
فقد صار جسدي موطنًا للآلام..
كيف عساها أن ترحل؟
وكيف آمل بالسعادة من جديد وقد رحلت أنت عني؟
أعلم أنه لا شيء سوف يمضي..
وأن روحي لن تعود..
ولا الألوان سوف تعرف طريقها لرسوماتي..
سأبقى سجينة وعيي.. وهذياني..
وأسيرة هزائمي..
وضحية يومٍ انطفأت فيه الأنوار عن عالمي..
فقط رجاء أخير..
لو اخترت العودة..
لا تطالب قلبي بالنبض..
فقد أوديت بيديك بآخر نبضة حينما اخترت الرحيل..
حينما رجوتك أن تحسن إلي بصبرك..
فأرديتني بجزعك..
حينما ظننتك ضمادي وحبل نجاتي..
فكنت مقصلتي..
كيف أشرح لك؟
لعلني فقدت مهارتي في المناجاة..
لا عليك..
فقد أزف وقتي.. ونام قمري..
سأذهب إلى حيث لا عودة..
سأصير ريشة تغمس في المحبرة.. لتكون مدادًا وترجمان لكل القلوب من بعدي..
سأعيش كطائر.. خفيف حر لا يعرف سوى الترحال..
ولن أبتغي من بعدك أي حياة.. يومًا ولا أبدًا..
🤍🌸🤍